عبد الحميد غانم:
ربما يكون المصطلح غريبا نسبياً على ثقافتنا أو تفكيرنا لكنه ليس غريباً على الذهن العسكري لأننا نعتقد أحيانا أن الحروب تأتي بالخراب والتدمير لأنها تأتي عادة من أمريكا والغرب كما فعلت في أفغانستان أو العراق مثلاً، ومثلما تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين والأراضي العربية المحتلة، لكن العملية العسكرية الروسية أظهرت أنها حرب نظيفة.
فعلى الرغم مما أظهرته العملية العسكرية الروسية الخاصة لدعم جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين الكثير من الخفايا التي كان النازيون الذين يسيطرون على أوكرانيا يحضرونها للهجوم على الجمهوريتين وعلى روسيا أيضاً، فقد كشفت العملية التحصينات الضخمة التي كانت معدة من قبل القوات الأوكرانية وفصائل النازيين الجدد، إضافة للتجمع الكبير للمعدات والجنود على خطوط التماس.
وحسب ما حصلت عليه الاستخبارات الروسية من وثائق، فإن أوكرانيا بدعم مادي وتقني ومعدات من الولايات المتحدة الأمريكية والناتو كانت تحضر لعمل عسكري ضد الجمهوريتين وبخطة مدروسة لاستعادتهما وقطع الحدود مع روسيا ومحاصرتهما والسيطرة عليهما، حسب ما ورد في تلك الوثائق التي تم الاستيلاء عليها بعد فرار القوات الأوكرانية وفصائل النازيين الأوكرانية، لكن القيادة الروسية عرفت مسبقا بذلك واكتشفت تلك الخطة، واستبقت العملية الأوكرانية – الناتوية، إذ كان مقرراً لها أن تبدأ في 25 شباط.
لكن الروس استبقوا الزمن وأفشلوا خطط الغرب ببدئهم العملية العسكرية قبل يوم واحد، وهذا ما أثار جنون أمريكا والناتو وجعلهم يتصرفون بعدوانية لانكشاف مخططهم وشعورهم بالخيبة والفشل.
ويحسب للجيش الروسي أنه نجح في القيام بواحدة من أسرع العمليات العسكرية في تاريخ الحروب، إذ وصلت القوات الروسية والحليفة لها إلى مشارف كييف في أقل من 24 ساعة. كما أن المباني السكنية والمنشآت المدنية لم تتعرض للقصف. بل تم استهداف البنية التحتية العسكرية والأمنية الأوكرانية الموالية للغرب منذ الساعة الأولى. ويسيطر الروس تباعاً على المنشآت الحيوية كالمواقع النووية والقواعد العسكرية بعمليات دقيقة من دون الاضطرار إلى الاشتباك في أحيان كثيرة مع جنود أوكرانيين يفضلون الاستسلام من دون مقاومة.
وتقود روسيا الحرب بواسطة منظومة شبه مؤتمتة تدير كافة عمليات جمع ومعالجة وتخزين وتسليم المعلومات اللازم لتحقيق القيادة والسيطرة على القوات والأسلحة والميدان.
أنظمة التحكم الآلي تعتبر مفهوما حديثاً في العلوم العسكرية، وإن كانت منتشرة منذ عقود. يعتمد هذا المفهوم على الربط الرقمي بين أسلحة الجو من طائرات قتالية ولوجستية، والبحر من سفن حربية وغواصات، والبر من مشاة ومدفعية بهدف السماح لأي من هذه المكونات بضرب هدف مباشرة عند توافر أفضل المعطيات. فإذا تعرضت طائرة روسية مقاتلة لإطلاق نيران في طريقها لقصف موقع رادار أوكراني، فإن مدفعية بعيدة المدى أو طائرة من دون طيار أو صاروخ كاليبر من غواصة ستلجأ فوراً إلى استهداف موقع إطلاق النيران على الطائرة الروسية، من دون أن يضطر قائد عسكري روسي إلى تحديد الخيار الأفضل للتعامل مع حادثة تعرض الطائرة الحربية الروسية لإطلاق نار في الأصل.
تتطلب هذه العملية ضمان تدفق معلوماتي سلس وتحليل البيانات بسرعة فائقة، وهنا يأتي دور الذكاء الصناعي أو بشكل أدق الخوارزميات الرياضية.
هذا النوع من الحروب الحديثة يُطلق عليه اسم “الحرب المركزية النظيفة”، كونها تقدم تطورات هامة على المستوى الاستراتيجي للاتصالات؛ العنصر الأهم في قيادة الجيوش.
ولعلّ ما ردع الناتو والأميركيين عن الذهاب بعيداً في المواقف أو التفكير بالمواجهة العسكرية هو معرفتهم بأن نجاح الجيش الروسي في تطبيق نظام التحكم الآلي يعني عملياً أن الأسلحة النووية الروسية محمية بشكل فعال، وليس باستطاعة أي جهة المغامرة بإخراج هذا السلاح الرادع من المعادلة.
إن اعتماد روسيا على جيش متطور في العملية العسكرية أسهم في نجاح مهمتها وتحقيق الحرب النظيفة على ما تقوم به أمريكا والغرب من حروب تهدف إلى التدمير والخراب وضرب مصالح الدول والشعوب وتحقيق مصالحها على حساب مصالح الآخرين.
السابق