عزة شتيوي:
(بطل أوروبا).. هكذا كان المانشيت العريض لصحيفة لوبوان الفرنسية وهي تصف الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي لتقلب حقيقته من دمية أو حتى دونكشوت صغير يعمل كوكيل حربي لأميركا وأوروبا في أوكرانيا إلى بطل في زمان الانهيارات الأوروبية والأميركية على جليد القطبية الأحادية الذائب.
حرب إعلامية غربية على روسيا لا تقل خبثاً عن محاولات البيت الأبيض استفزاز الكرملين بضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، بل يحاول الغرب تشويه وجه روسيا وتصوير حملتها العسكرية في أوكرانيا على أنها عدوان يستهدف البشرية، بينما غزت واشنطن ٣٠دولة في العالم تحت شعار الحرية والديمقراطية، وشكلت جيوشاً من الإرهاب والارتزاق.
الغرب استخدم الدعاية الإعلامية والكذب والتضليل لتشويه صورة روسيا وانخرطت كبرى الصحف والمؤسسات والإمبراطوريات الإعلامية لتؤدي دورها المضلل لصالح أميركا، فالإعلام الغربي لا يعرف الحيادية ولا شرف المهنة، بل إن بعض هذه الوسائل الإعلامية خاطرت بتاريخها، واليوم تكشف الأزمة في أوكرانيا ومن قبلها الأزمة في سورية أن الإعلام الغربي أداة حرب لسياسات واشنطن وبروكسل، وان الحيادية والمصداقية هي مجرد شعارات تغزو وتضلل فيها أميركا ومعها أوروبا بما يسمى حروب الجيل الخامس، كما تغزو بآلتها العسكرية تحت شعارات الحرية والديمقراطية ومكافحة الإرهاب.
والأبعد من ذلك أن الغرب لم يكتف بتوظيف وسائل الإعلام في خدمة أجنداته بل ذهب أيضا لمحاربة وسائل الإعلام الخارجة عن نهجه وسياسته، وسعى لضرب الآلة الإعلامية لروسيا كي تكتمل عمليات التضليل ضارباً بعرض الحائط المادة ١٩ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
فقد أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” عن حظر بث عدد من وسائل الإعلام الروسية، على غرار”RT” و”سبوتنيك” وأردفتها الشركات التكنولوجية الغربية مثل “غوغل وميتا – فايسبوك ويوتيوب” بحجب مواقع هذه القنوات التي هي على حسب ادعائها مرتبطة بالحكومة الروسية، وهذا يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تقتضي أن “لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق الحرية في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود”.
وقف الغرب لبث عدد من المواقع وعلى رأسها وكالات الأنباء الروسية “سبوتنيك” وقناة “روسيا اليوم” بكل لغاتها في قارة أوروبا يعكس تخوفه من الرأي الروسي ونشر وجهة نظره فيما يجري في أوكرانيا، بل يشير إلى أن الغرب يعيش مرحلة من التخبط في اتخاذ القرارات وعجز على المواجهة المباشرة، وإيجاد حلول لوقف روسيا عن تحرير أوكرانيا من محاولات احتلالها السياسي من قبل الناتو، لذلك فإن ما يقوم به الغرب اليوم هو انتهاك صارخ لحرية التعبير والرأي وحرية الإعلام المكفولة في حقوق الإنسان.
في الخطف إلى الوراء وحتى اللحظة، فإنّ الحروب في سورية والعراق وليبيا، واليوم في أوكرانيا، تعكس قدر وكمية استغلال واشنطن ومن معها غربا للإعلام كأداة لتنفيذ الأجندات السياسية وقلب الحقائق والوقائع، والتحريض على المقاومين لنهج الغرب في سبيل حرية بلدهم واستقلالهم السياسي.
في الحرب الروسية الأوكرانية، ركزت كبريات الصحف والمحطات التلفزيونية، وكذلك المواقع الإلكترونية، على تشويه صورة روسيا، والتشكيك في سياساتها وأهدافها الإستراتيجية، وحتى دوافعها الحقيقية تجاه أوكرانيا، وبدأت شبكات إعلامية ضخمة مثل “سي إن إن” و”فوكس نيوز» و”نيويورك تايمز”، وغيرها من وسائل الإعلام الغربية والأميركية، تقود حملة منظمة للنيل من روسيا، وشحن الرأي العام العالمي ضدها، وتشويه الغاية الحقيقية للحرب ضدّ أوكرانيا.
وهو ذاته ما حصل في الحرب على سورية، حيث سعت الوسائل الإعلامية الغربية، إلى تشويه صورة السوريين ودولتهم متجاهلة ممارسات الفصائل الإرهابية، وذبحهم للمدنيين، فضلاً عن تدمير ممنهج للبنى التحتية في سورية بل إن الإعلام الغربي كان منبراً للترويج للإرهابيين.
حجب القنوات الروسية يصب في خانة محاولة واشنطن تشويه صورة روسيا وتضليل الرأي العام العالمي وإخراج موسكو من التحدي الأكبر في مواجهة واشنطن والاهم من ذلك ضرب التعددية القطبية التي بدأت تظهر مع وجود الصين وأفول القطبية الأحادية.
الإعلام بات سلاحا يستله الغرب ضمن حروب الجيل الخامس والقوى الناعمة لقطع الطرق السياسية وتشويه الحقائق والتضليل، والصحافة التي تتطلب قواعد الحيادية والمصداقية بات من المنسيات الغربية، فالأخبار فقط هي ما يخطط له الغرب في غرف الاستخبارات، والقاعدة الإعلامية التي تقول إن الخبر هو بأن الإنسان عض كلباً وليس العكس تغيرت اليوم، فنجد أن الخبر الأوضح هو أن الآلات الإعلامية باتت تعض الأخبار وتلوكها بأسنان سياسية.
السابق