الثورة – نيفين أحمد:
في فجر الحادي والعشرين من آب/أغسطس 2013 شهدت الغوطتان الشرقية والغربية بريف دمشق واحدة من أكثر الهجمات دموية في التاريخ حيث استُخدم السلاح الكيميائي ضد مناطق مأهولة بالسكان ما أسفر عن مئات الضحايا غالبيتهم من الأطفال والنساء وقد شكّلت الصور القادمة من زملكا وعين ترما آنذاك صدمة عالمية وسط مطالبات متزايدة بمحاسبة المسؤولين عن الجريمة.
ورغم أن تقارير الأمم المتحدة أكدت استخدام غازالسارين ورغم توثيق الحادثة بالصوت والصورة لم تُتخذ حتى اليوم إجراءات قضائية دولية بحقّ المتورطين، ولم تُعقد محاكمات أو تُفرض عقوبات رادعة ما جعل المجزرة مثالاً صارخاً على غياب المساءلة في النزاعات المعاصرة.
بحسب بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان أسفر الهجوم عن مقتل 1144 شخصاً بينهم 1119 مدنياً من ضمنهم 99 طفلاً و194 سيدة إضافة إلى إصابة نحو 5935 آخرين بحالات اختناق وأعراض تنفسية متفاوتة.
وتُعد هذه المجزرة الأكبر من حيث عدد الضحايا بين الهجمات الكيميائية الموثقة في سوريا منذ عام 2012.
لم تقتصر آثار المجزرة على لحظة وقوعها بل امتدت إلى تداعيات صحية ونفسية مستمرة إذ يعاني العديد من الناجين من اضطرابات في الجهازين التنفسي والعصبي ومشكلات في الإدراك والذاكرة فضلاً عن حالات صدمة نفسية لدى الأطفال والبالغين.
كما أُبلغ عن ظهور تشوهات خلقية ومشكلات نمو لدى أطفال وُلدوا لآباء وأمهات تعرضوا للهجوم.
تشير البيانات الحقوقية إلى أن النظام السوري يتحمل المسؤولية المباشرة عن 217 من أصل 222 هجوماً كيميائياً موثقاً في البلاد بين عامي 2012 و2024 في انتهاك واضح لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة من دون أن تُتخذ إجراءات رادعة بحقّ الجناة.
بعد مرور اثني عشر عاماً لا تزال مجزرة الغوطتين حاضرة في وجدان السوريين كرمز للمعاناة والخذلان الدولي، وتبقى المطالبة بالعدالة والمحاسبة ضرورة أخلاقية وإنسانية في سبيل إنصاف الضحايا، والأمل بتحقيق العدالة لا يزال قائماً، فكلّ شهادة وكلّ وثيقة وكلّ مقال يُكتب هو خطوة نحو مساءلة تاريخية قد تتأخر لكنّها تظل واجبة الحضور في ضمير الإنسانية.