الثورة – إخلاص علي:
كما الحالة العامة لا يزال الغموض سيد الموقف في السوق العقارية، تتعدد الروايات والتحليلات، ولكن الجميع يربط الأمر بالحالة المادية وسلسلة من الإجراءات والقرارات التي ساهمت في جمود وتردّي السوق، ولاسيما موضوع حبس السيولة والتسجيل العقاري الذي صدرت مؤخراً بخصوصه جملة من التسهيلات.
خلال جولة لـصحيفة الثورة على عدد من المكاتب العقارية في دمشق كان هناك إجماع من قبل أصحاب تلك المكاتب على انعدام حركة البيع والشراء، واقتصار عملهم على الإيجارات فقط على عكس ما كان متوقعاً خاصة بعد التسهيلات الأخيرة.
غياب القروض
هناك مَن يُوسّع زاوية الرؤية ويرى أن ثمة عوامل أخرى غير منظورة للعامة تحول دون عودة الحياة للسوق العقارية.
الخبير الاقتصادي فادي ديب تحدث عن جملة معوقات يعاني منها السوق العقاري، لكنه يختلف مع الآخرين في توصيف الحالة، فهو يعتبر أن السوق يعاني من شلل جزئي وليس من حالة جمود.
وأضاف في تصريح لـ “الثورة”: إن ما يعانيه السوق ليس فقط بسبب القوانين، بل لأن البيئة الاقتصادية والاجتماعية الكاملة غير جاهزة لتنشيط هذا القطاع الحيوي ولخّص أبرز المعوقات التي تحول من دون نشاط السوق العقارية في سوريا رغم التسهيلات الأخيرة.
وهي بحسب الخبير ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، فالتسهيلات لا تكفي إذا لم يكن هناك دخل حقيقي ومستقر يسمح للناس بالشراء أو حتى الاستئجار، فالغالبية تستهلك كامل دخلها في أساسيات المعيشة.
إضافة إلى أن التضخم وتقلّب سعر الصرف وغياب الثقة بالعملة الوطنية يخلق تردداً لدى الناس في الدخول بأي استثمار طويل الأجل مثل شراء العقار، على حد قول الخبير الاقتصادي. كما نوّه بأن غياب القروض العقارية المناسبة، يمنع شريحة واسعة من المواطنين من التملّك وكذلك غياب الضوابط التنظيمية، فليس هناك قاعدة بيانات واضحة للعقارات، ولا تنظيم فعلي للسوق، ما يجعل المضاربة والفوضى هي المسيطرة.
وتابع حديثه بالقول: إن افتقار سلوك السماسرة والمكاتب العقارية للمهنية والعمل وفق مصالح ضيقة، يضر بثقة المتعاملين ويعيق السوق عن التطور، كما أن ضعف البنية التحتية الرقمية وعدم وجود منصات إلكترونية موثوقة وشفافة تتيح العرض والطلب بشكل احترافي، بحسب الخبير هو ما يعزل السوق عن فئات كثيرة، خاصة الشباب والمغتربين.
عدا عن غياب المشاريع السكنية الشعبية بأسعار منطقية فلا يوجد توجه فعلي لمشاريع تنموية مدروسة تخفّض التكلفة وتفتح فرص تملّك حقيقية.
شروط قاسية للدفع
وأضاف ديب: بناءً على تجربتي الشخصية بالبحث عن بيت للإيجار أستطيع القول: إن واقع سوق الإيجارات بعيد تماماً عن أي تصور منطقي، ويعاني من “شلل جزئي” رغم الظروف التي كانت من الممكن أن تدفع به نحو حركة أنشط. وأشار إلى أسباب إضافية تزيد عبء مَن يبحث عن بيت للإيجار منها قلة العروض الجدية، فأغلب البيوت المعروضة هي للبيع، والإيجارات المتوفرة محدودة جداً، ووضعها سيئ ومكلفة. كما أن شروط الدفع قاسية، إذ يتم طلب إيجار سنة أو نصف سنة مقدماً، مما يزيد الضغط على المستأجرين.
الأسعار إلى ارتفاع
من جانب آخر، بدا الخبير العقاري الدكتور عمار يوسف أكثر تشاؤماً لجهة انتعاش السوق العقارية، متوقعاً استمرار ارتفاع أسعارها نظراً لزيادة الطلب خاصة مع عودة المغتربين، إضافة إلى توقف حركة البناء بسبب نقص السيولة عند تجار البناء نتيجة سياسة حبس السيولة التي يتبعها المصرف المركزي.
كما أشار خلال حديثه لـ”الثورة” أنه خلال هذه الفترة لن يكون هناك أي إجراءات جدية فيما يخص السوق العقارية لغياب الاستقرار الذي يجذب الاستثمارات ورأس المال، معتبراً أن جميع الاتفاقيات التي جرت حتى هذه اللحظة مجرد مذكرات تفاهم بأحرف أولية ولا تدعو للتفاؤل.
أخيراً يمكن القول: ثمة حالة من الفوضى والغموض تحكم السوق العقارية، بانتظار إجراءات تنظيمية وفق قواعد وشروط ومعايير متبعة في كثير من دول العالم أساسها العلنية والوضوح والثقة.