الأديب بين واقعه وكتابته

الملحق الثقافي- غسان كامل ونوس:

قد تقرأ لكاتب، لا تعرفه، فتحبّه، وتتابع إصداراته، وتلاحق ما ينشره من كتب ومواد في الدوريّات المختلفة باهتمام؛ أو ربّما لا تُعجب بكتابته، ولا يجذبك منطقه، ولا يدفعك إلى أن تكون متلهّفاً لسماع أخباره، ولا للالتفات إلى نصوصه! وفي أيّ حال، فإنّك تتخيّل شخصيّته؛ من خلال ما قرأت، جدّيّة رصينة حريصة، أو مرحة لعوباً مستهترة، متعالية، أو متواضعة، وتنسج له هيئة رسميّة متأنّقة، أو شعبيّة عفويّة، وترسم ملامح، وتتهيّأ لك مواصفات، وتُتصوّر، أو تُرجى له، خصال، وتُضمر أنّ له في حديثه أسلوباً، يحاكي أسلوب كتابته، ويمتلك لساناً طليقاً أو متكلّفاً، ولغة سلسة، أو عصيّة، وحواراً رشيقاً أو مطوّلاً، وأفكاراً مقبولة ومفهومة، أو غريبة مشوّشة…
ويحدث، بعد حين، يقصر، أو يطول، أن تتعرّف إليه؛ بلقاء مباشر، أو غير مباشر، على انفراد، أو في فعاليّة مع آخرين، وقد تستمع إلى حديثه حضوراً، أو من خلال شاشة ملوّنة؛ فإمّا يتكرّس ما كان له في خاطرك، وتتوافق انطباعاتك، وانفعالاتك المشهديّة الملاحظة، مع ما يشغله لديك من حيّز وحيثيّة ومكانة؛ أو تنعكس الرؤيا، وقد تصدم لهذا، وتراجع حساباتك وتصوّراتك، وقد تعود إلى القراءة مجدّداً، أو تقرأ نتاجه الجديد؛ بشكل مختلف، وانشغال مختلف.. وقد ينتابك تنازع، في ردود أفعالك، ممّا تستنتج من نصوص كاتب تعرفه شخصيّاً، وما تعرفه منه وعنه، وقد يؤثّر هذا على الآثار المترتّبة عن القراءة.
وقد واجهتُ شخصيّاً كتّاباً، وجالستهم، وتحدّثت إليهم، وتداولنا في موضوعات الأدب وسواه؛ وكنت قد تعاملت مع ما وقع بين يديّ من نتاجهم، أوّلاً، ثمّ انشغلت بالبحث عن إصداراتهم الأخرى، أو كتاباتهم في الصحف والمجلّات المتنوّعة، وأكاد لا أصدّق أنّ هذا الذي أمامي، هو صاحب ذاك الشعر، أو تلك المجموعة القصصيّة أو تلك الرواية!.
وعلى هذا، فإنّ من الأفضل أن تكون بعيداً عن حيّز الكاتب، أو أن تقدر على إبعاده من ذهنك وتفكيرك، لا أن تسعى إلى معرفته، وتظلّ صورته وكلماته وأفكاره في وعيك ولا وعيك، حين تقرأ له، وتقيّم؛ فهل هذا بمستطاع؟! وإلّا فمن الظلم له ولك ولنصوصه ولردود أفعالك، أن تعرفه؛ فقد تحاسبه على ما تعرف من صفات ومواصفات وتفاصيل عيش ووظيفة.
فمن الأدباء من هو منطو ومرتكن، وعازف عن المشاركة في الخضمّ الحياتيّ المعيشيّ العام، وزاهد عن متع الدنيا المعروفة والمطارَدة، والمتنازَع عليها، ومنصرف عن حكايا الناس وأخبارهم؛ لكنّه ممتع في تناوله حيوات النماذج البشريّة المختلفة، وبارع في تصويره لهيئاتها، وانعكاسات الأحداث على تصرّفاتها، وجذّاب في حواراتها وسِيَرِها؛ وهناك كتّاب مأزومون في حيواتهم الخاصّة، ومكتئبون نفسيّاً، وخجلون في مواجهة الناس؛ لكنّهم يكتبون بروح حيويّة هنيّة، ويعالجون قضايا مهمّة؛ بأسلوب ساخر؛ في الوقت الذي قد يحسّ كاتب، يعيش في بحبوحة، بالناس المعوزين المنكوبين، الذين يعانون، ويضحّون من أجل الحياة الكريمة في أبسط أشكالها، من دون أن يكون هذا متيسّراً لهم؛ ويهتمّ أديب من طبقة الكادحين بمختلف الشرائح البشريّة؛ لكونهم بشراً، لديهم همومهم وقضاياهم المختلفة، مهما كانت مستوياتهم ومسؤوليّاتهم الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة أو السياسيّة… ومن الكتّاب من لا تشغلهم، في نصوصهم، أشكال البشر، ولا أنماط ممارساتهم الحياة، وطبيعة علاقاتهم، ولا يدقّقون في ما يلبسون ويأكلون، وكيف يتزوّجون، ويخلّفون، وماذا يرثون؛ بل ينصبّ اهتمامهم على الأفكار الكبرى، والحالات النفسيّة والإنسانيّة، ويتساءلون عبر شخوصهم وتأمّلاتهم وقلقهم، ومحاكماتهم، عن المصدر والكيفيّة والغاية والمآل، والاحتمالات والتكهّنات؛ في المسارات والمفازات، وفي الظروف والأقدار والمبادرات والمهمّات؛ بما هو مختلف ومدعاة للتفكير، وحاثّ على البحث والتحليل والاستنتاج! ولا يمكن، ولا يجوز، أن تحاسبهم على هذا، حتّى إن كان الناس عموماً عنه منفضّين أو لاهين، أو مشغولين؛ كما لا يمكن أن تحاسب أديباً على ما يكتب؛ بالمقارنة مع الواقع، الذي يعاينه، أو يناقشه في أعماله؛ من منطلق الصحّ والخطأ؛ بناء على ما هو قائم، ولا على صدقيّته أو أمانته في المقاربة والنقل؛ إلّا إذا تعلّق الأمر بتوثيق، أو تحقيق، لأمر معايَن في الزمان والمكان، ولا يكون للكاتب مسوّغ إبداعيّ، ومغزى فنّيّ من تغييره الوقائع والأحداث.. وقد يلجأ أدباء إلى كائنات حيّة أخرى، معروفة أو متخيّلة، من خارج الجنس العاقل، الذي نخمّن، وتمتلك الحقّ في الحياة والبيئة ومكوّناتها، ولها أحياز وحيثيّات مؤثّرة ومتأثّرة، ويتناولون هذا برؤاهم، وقد يحمّلونها ما يريدون إسقاطه على البشر، أو يناقشون المشكلات والتواشجات، والاختلافات بين الناس عبر افتراضهم كائنات أخرى، وبيئات أخرى مشابهة أو مفارقة؛ فهل تصحّ مساءلتهم على هذا؟! على الرغم من أنّ التاريخ البعيد والقريب، يشير إلى من لم يُرحموا في هذا وسواه؛ مع أنّ التساؤل يُفترض أن يأتي على المرجعيّة والدواعي
الفنّيّة، والعناصر الصالحة أو القابلة لحمل ما هو مطلوب أو مفترض، والمنطق الداخليّ في البناء التكوينيّ للنصّ ومفرزاته أو مخرجاته.. ومن الأدباء من يهتمّ بالزمن الماضي السحيق، وما كان ومن كان فيه، أو في الماضي القديم، أو الحاضر، وآخرون ينتهجون التخويض في المستقبل؛ انطلاقاً ممّا كان، وما هو كائن حاليّاً؛ وصولاً تخييليّاً، أو تحذيريّاً أو إرهاصاً وتمنّيات لِما يمكن أن يكون، وقد لا يكون؛ ومن يشهد ذلك الزمن، يرَ!

التاريخ: الثلاثاء22-3-2022

رقم العدد :1088

آخر الأخبار
تعزيز التنسيق المشترك عربياً ودولياً في لقاء نقابي سوري سعودي  "المركزي" كوسيط مالي وتنظيمي بين الأسر والشركات  "وهذه هويتي".. "حسين الهرموش" أيقونة الانشقاق العسكري وبداية الكفاح    إصدار التعليمات التنفيذية لقرار تأجيل الامتحانات العامة   لبنان يعلن عن خطة جديدة لإعادة النازحين السوريين على مراحل لاستكشاف فرص التعاون والاستثمار.. الحبتور يزور سوريا على رأس وفد رفيع قريبا  2050 حصة من الأضاحي لأهالي ريف دمشق الغربي "أطباء درعا" تقدم الأضاحي عن أرواح شهداء الثورة   التربية تشدد على التنسيق والتأمين الكامل لنجاح امتحانات2025 ضخ المياه إلى شارع بغداد بعد إصلاح الأعطال الطارئة أعطال كهربائية في الشيخ بدر.. وورش الطوارئ تباشر بالإصلاحات الجولات الرقابية في ريف دمشق مستمرة لا قضيّة ضد مجهول.. وعيونهم لا تنام الأدفنتست" تعلن بدء مشروع "تعزيز سبل العيش" في درعا "تاريخ كفر بطنا ".. خربوطلي : من أقبية الفروع الأمنية بدأت رحلتي  نيويورك تايمز: المقاتلون الأجانب بين تقدير الثورة ومخاوف الغرب سوريا تستعد للعودة إلى نظام "سويفت" بعد عزلتها المالية مفوضية اللاجئين تُعلن وقف دعم اللاجئين السوريين في لبنان الخير يعم بصفاء النفوس أجواء العيد.. إشراقة فرح تتحدى الظروف