الثورة- هفاف ميهوب:
منذ نشوء علم الجمال الذي اعتُبر فرعا من فروعِ الفلسفة، والعلماء يقومون بوضع نظريات ومفاهيم مختلفة ومتناقضة في تعريفها له، وهي إن أخذت مع انطلاقته المنحى الميتافيزيقي، إلا أنها ومع مرور الأيام والعصور، أخذت تنحى المنحى الذاتي والمعرفي والأخلاقي..
من هؤلاء العلماء، من اعتبر الجمال صوفيّاً وغير محدود، أي يشمل الفلسفة والدين والحياة، ومنهم من وجده ميتافيزيقياً، ومنهم من رآه ذاتيّاً، بل ونوع من أنواع المتعة النزيهة الخالية من غايات شخصية..
الفيلسوف الألماني “شوبنهاور” الذي وضع الجمال في أعلى مرتبة، رأى بأن الفنان العبقري، هو من بإمكانه الوصول إليها، وتجسيد الجمال الأسمى الذي يكمن بنظره، في المتعة الجمالية التي تكمن بدورها “في حقيقة أنه عندما ندخل في حالة التأمل الخالص، فإننا نشعر بإرادةٍ فوق كلّ شيء، وفوق كلّ الرغبات والاهتمام..”..
هي رؤية اعتُبرت أقرب إلى الصوفية، وتختلف جداً، بل وتتناقض وترفض رؤية “هيغل” بأن: “الجمال في الطبيعة لايظهر إلا كانعكاس للجمال الذهني”، وكذلك رؤية “كانط” الذي وجد أن الحكم على الجمال ذاتي، ويتغير من شخصٍ لآخر لطالما “مصدر الشعور بالجمال فينا، في مزاجِ الروح وليس في الطبيعة، وجمال الشيء لا علاقة له بطبيعته، والمحاكمة الجمالية تنبع من الاندماج الحرّ للفكر، مع قوة الخيال”..
كُثر من الفلاسفة وعلماء الجمال، اختلفوا حول تعريفه، وعارضوا حتى “باومغارتن”.. مؤسس هذا العلم الذي أطلق عليه “الأستطيقا”.. أي الإدراك الحسي أو علم الشعور.. اختلفوا حول رؤيته بأن: “الجمال هو المعرفة المطلقة، بوساطة المشاعر، والحقيقة هي المعرفة الكاملة بوساطة العقل..”…
ألا يكفي هذا، وغيره الكثير جداً مما لم نذكره ويتعلّق بعلم الجمال.. ألا يكفي لنقول: مهما اختلف العالم والعلماء حول تعريف الجمال، نحتاجه بأنواعه في عالمٍ بات يغصّ بنظريات القباحة والموت والعدم…
نحتاج جمال المعرفة، العقل، الحقيقة، الطبيعة، الذات، الروح، الفن، الاحساس.. نحتاجه، فأينهُ ينقذ ما تبقّى من أفكارنا وأحاسيسنا وحياتنا ووعينا ؟!!