الثورة- فاتن أحمد دعبول:
عندما يسجل الأبطال على قائمة الخلود وفي سفر النضال والتضحيات، فهم بلا شك قد اعتلوا مكانتهم في مراتب النبل والشرف، واستحقوا بجدارة أن تزين هاماتهم بأكاليل الغار.
وهم أيضا من يتوجه إليهم د.الشاعر صابر فلحوط في إهدائه من مجموعته الشعرية” الشعر في الميدان” ليخاطبهم بالقول:
إلى الذين وجدوا راحتهم الكبرى في المقاومة والشهادة
إلى عظماء هذا العصر وكل عصر، غابرا وحاضرا ومستقبلا
إلى شهداء شعبنا وصانعي فجر أمتنا العربية المطرز بالكرامة والعزة والكبرياء.
وفي قصائده التي امتدت عبر صفحات مجموعته الشعرية التي بلغت في عدد صفحاتها 175 من القطع المتوسط، نجدها قد امتازت بأنها غنية بالأحداث والوقائع، ومفعمة بالعاطفة تنساب كشلال من ضوء ترمي عتمة اليأس.
اختار الشاعر فيها لنصوصه الشعر الموزون الذي يجمع بين التفعيلة والشطرين، ليؤرخ أحداثا ووقائع تحكي قضايا الوطن والمقاومة عبر عناوين تشي جميعها بفصول من الحياة عايشها الشاعر، أو كان الشاهد اليقين على تفاصيل مجرياتها.
وفي مجموعته الشعرية الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب تتجلى معاني البطولات والمقاومة، وتعكس في مضمونها صمود أبناء جلدتنا في ميادين القتال، فلم يكتف الشاعر بتصوير بطولات شعبنا في سورية، بل تطالعنا قصائده بقضايا الوطن جميعه، فيقول في قصيدة بغداد:
بحيرة الدم في كركوك، والنجف
موجي لظى، وأبيدي كل منحرف، تفجري، في ربا بغداد زلزلة
وفي صدور دعاة، الغرفة انقذفي.
ويقول في قصيدته” تشرين والقدس”:
القدس فيض دمي، وشريان بقلبي أو وريد
أنا لا أريد هوية، غير العروبة لا أريد
من ميسلون هويتي، وأنا الشهادة، والشهيد.
ولأن من رسائل الشعر المقاوم تعميق وتجذير الانتماء المقاوم في ذات العربي والوصول به إلى حالة الإحساس الدائم بوجودية المقاومة على الأرض، ولأن المقاومة هو مشروع كل شعب يضطلع بالدفاع عن حريته، آثر شاعرنا أن يؤكد في نصوصه أن العروبة باقية في الأفئدة وجذوتها لا يمكن أن تنطفىء أو تموت، بل على العكس هي تتحدى الحواجز والقيود والمؤامرات جميعها، يقول في قصيدة التحدي:
ستظل يا ركب العروبة، هادرا نحو الأمام، رغم الحواجز والقيود
ورغم مرعبة الحمام، فعلى يديك تناثرت أشلاء أقزام طعام
والغادرون على طريق، البعث، بعض من حطام
أمسوا، وقد ثارت جموعي، تحت أنقاض الرغام
ومن يقرأ مجموعة الشاعر الجديدة” الشعر في الميدان” يدرك هذا الغنى الذي يحمله الشاعر في روحه وفي قلمه، وهو من عرف عنه مواقفه المقاومة في ميادين الحياة كافة، تارة في قلمه وتارة على المنابر، وكثيرا عبر مواقع تبوأها فكان خير من يمثل بلده في المحافل الدولية، وهو بعد ذلك يتجذر في أرضه وينتمي إلى كل ذرة تراب فيها، ويدرك بخبرته التي تمتد على عمر تجاوز الثمانين، أن الأوطان تصاغ من دم الشهداء وتسيج بأجسادهم وتروى بعرق جباه لونتها الشمس بألوان العزة والنصر.
ويؤكد بدوره أن للميدان فارسا لا يغادره، يقول في قصيدة” الميدان وفارسه”:
لن يترك الميدان فارسه، لا لم تزل لنسورها القمم
إن يكب عبر الساح مختضبا، فهديره البركان والحمم
لا تحفلن بموجة طفرت، فعلى قرون الشط تنحطم
نحن الألى رهن بقبضتنا، يوم العراك العرش والصنم
ويل لهم من نار نقمتنا، الموت يركع حين ننتقم.
ورغم عاديات الزمن، وما طال بلادنا من هجمات الغادرين، فإن الشاعر استطاع أن يحافظ على تلك الروح المؤمنة بالنصر، في قصائده كافة، لم يتنازل عن حقه في المقاومة حتى آخر قطرة من حبره، ولم تستطع أشداق الوحوش أن تلجم قلمه بنيران القصاص، فالعروبة بوصلته والكبرياء والفداء هويته:
نهوى السلام رسالة، شهدت عدالتها القرون
لكن، إذا ضيمت كرامتنا، فبعض خطاب دعوتنا “الجنون”
إما نكون، لقدس أمتنا الفدا، أو لا نكون.