الثورة – هفاف ميهوب:
في كلّ تأملاته، يسعى الباحث والمفكر “ندره اليازجي” إلى الخوض في فلسفة الحياة، الإنسان، العقل، العلم.. نتوقف لدى تأمّله في العلم ومصير الإنسان، لنسأل سؤاله في زمن الانحدار والدمار هذا: ما دور العقل هنا، وأينه يخلّصنا من كلّ هذا الهلاك؟!ّ.
نسأل سؤاله، لنعاود قراءة أفكاره، عن دور الحكمة في هذا الخلاص.. الحكمة التي اعتبرها “معرفة مباشرة لا تعتمد أداة، ولا تُبنى على تقنيّة، وإنما تمعن في الرؤية الباطنية العميقة.. أي، في التجربة الداخلية الروحية، المعروفة بالاستغراق”..
حتماً أراد من قوله هذا، تشجيع الإنسان على تأمل ما في أعماقه ومعرفة ذاته بالدرجة الأولى، ومن ثمّ معرفة حقائق الحياة، لينقل بعدها ما يشاهده عبر العلم والحكمة الروحية، إلى عالمٍ يرى بأن دورهما فيه، السلام والمحبّة والطمأنينة البشرية..
يرى ذلك، معتبراً أن المشكلة هنا، هي فصل العقل عن الوجود.. أي فصل المادة عن الكون.. ذلك أن العقل أقام جسوراً بينه وبين العالم الأرضي، والكون الشاسع، وليست هذه الجسور سوى التقنية..
إذاً، التقنية هي المشكلة، ولاسيما المطوّرة التي دفعت العالم إلى حافة الانهيار والنهاية؟!!
يقدّم “اليازجي” حقائق تثبت ذلك، وتؤكّد بأن الخطورة الكبرى لهذه المشكلة، تكمن في مرحلة حدوث التجربة، حيث “يكون العقل منفصلاً عن موضوعه، ومتعاليا عليه، ومختلفا عنه.. هنا، يقف العلم من المادة موقف العداء، فإذا سيطر عليها استغلها، وأدى إلى كارثة بشرية”..
إنه ما جعله يشير إلى أن الخلاص من هذه الكارثة، يحتاج إلى توافق بين العقل والحكمة، التي تبني جسور المحبّة مع المادة، وتمكّن الإنسان والعقل، من الانسجام معها..
هذا هو الحل الذي وجده يخلّص العالم من الهلاك، وإلا فإن “سيطرة العقل التقني ستؤدي إلى كارثة كبرى، وانفصاله عن المادة والروح معاً، يشير إلى تعاظم هذه الكارثة، ولما كان هذا الانفصال والعداء، يزداد مع زيادة التقنيّة، فإن الكارثة تزداد بزيادة التقنيّة”..
كلّ هذا ولا حلّ.. أننتظر المزيد من التقنيات والكوارث؟!! أننتظر انفصال العقل عن الحكمة أكثر وأكثر؟!!
يبدو أن هذا ما يحصل ونتأمله بالعجز ذاته الذي يتأمله به العلماء.. العلماء الإنسانيون، الفيزيائيون خاصة، ممن يزيد العقل التقني من تغييب دورهم وعلمهم وحكمتهم، بل ويزداد عداوة وشراسة في سعيه الكارثي، لتدمير وهلاك البشرية…