مع فورة التقنية التي ساوت بين الأحمق والمفكر، وبين المبدع والعيي، نعني فورة الموج الأزرق وما حمله من مشتقات، بدأت موج جديدة أيضاً من المفردات والمصطلحات، بعضها يتعلق بالتقنية نفسها، وقسم آخر يتعلق بالمحتوى الذي ينشر، والمحتوى بدوره يتصل بأشكال التفكير المجتمعي والقيم والعادات والتقاليد وأنماط التفكير، وهذا ببساطة يحقق مقولة : الحقيقة ما قبل جبال البيرينه خطأ ما بعدها.
نلمس هذا في نمط التفكير الذي حددته المؤسسات الغربية التي تضخ كل مصطلحات غربية تريد للعالم كله أن يتقولب معها لاسيما في السياسة، وكما يقال عدم الخروج عن الخط المرسوم في دوائر تصنع قرارات التبعية، في المحتوى هذا تبدو الأمور جلية واضحة عندما تقع مشكلة ما، أو تبدأ حرب، أو منازعات والمواطن العربي مستهدف أولاً قبل الجميع، لاسيما فيما يتعلق بالقضايا الوطنية والقومية.
فكثيرون ينشرون على صفحاتهم مواقف ضد التطرف والعنف وتدين الإرهاب والعدوان الصهيوني، لكنهم بعد ساعات يصدمون برسالة تقييد للصفحة تقول : لقد تم تقييد صفحتك لانها تنتهك معايير مجتمعنا، ويردفون : لقد أعملنا التقنية لمتابعة المعايير فوجدت أنها منتهكة، يعني هذا ببساطة : أنهم وضعوا برمجيات، ولا أدري كانت تسمى خورزميات محددة سلفاً توقف وتقيد كل مصطلح يناهض السياسة الغربية العدوانية.
أما إذا كانت منشوراتك تصب في خدمة المشروع الصهيوني والاستسلامي فأنت بطل للحريات، بل ربما تمنح جائزة ما حسب ما تقدمه من استسلام، لم يقتصر الأمر على ما يجري في منطقتنا وإن كنا نظن أنه كذلك، لكن الحرب الاستباقية في أوكرانية التي فضحت تآمر الولايات المتحدة على العالم، ومعها تبعها الغربيون، وما كشفته روسيا من مختبرات بيولوجية تفتك بالعالم، هذا كله جعل العالم يقف مصدوماً مما تعرى، لكن الأدوات الخبيثة في هذا الفضاء الأزرق توجهت إلى ساحة المعركة في المحتوى والانتشار والاتصال، والحروب السيبرانية، وغير ذلك و نحن لم نصدم حقيقة بما جرى لأننا خبرناه ونعرفه، وقد خبرنا كذب الفكر الغربي الذي يتاجر بكل شيء.
نعم : معاييرنا غير معاييرهم، معاييرنا قيم وإنسانية، وعدالة وحياة للإنسان، وهم لايريدون ذلك خارج حدودهم، لا يعترفون إلا بما يريدونه : يعملون على تدجين العالم كله ليكونوا في ركب عبيدهم، من هنا ستكون القيود أشد أيضاً في المستقبل، ولا نظن أنهم سوف يبقون عند مصطلح التقييد، بل لديهم ما هو أبعد، وأشد خطراً، عالم تقني متطور جداً، لكنه خبيث إلى درجة لا يمكن التنبؤ بما يحمله في طياته، صحيح أنه جعلنا نسمع ونشاهد ما يقع في العالم باللحظة، لكنه أبعدنا عن معرفة الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء ذلك، الآن ضاعت الحقيقة وإلى غير رجعة.