هي حالة مرعبة بالفعل تلك الطائرات المسيّرة – والتي تسمى الدرون – التي تنتشر في العالم بشكلٍ سريع، وخاصة بعد أن استطاع صنّاعها إدخال تقنيات رقمية مذهلة عليها مكّنتهم من تخفيف وزنها إلى حد ( ربع كيلو غرام فقط .. وأقل ) ويمكن أن تُحمل باليد دون أن يخطر على بال أحد بأن هذا المحمول هو عبارة عن طائرة حقيقية، يمكنها أن تنتهك حرمة أي منزل، أو أن تعتدي على خصوصية أي شخص دون أن يكون على علمٍ بذلك، والأنكى من هذا كله أنه يمكن تزويدها بالسلاح بمفرقعات مرعبة أو حتى بقنابل قاتلة.
هذه الطائرة القزمة ذات الربع كيلو، لا يضطر صاحبها لأن يحملها دائماً مكشوفة في يده، فهي قابلة للطي، ويمكن إيداعها في محفظة يد عادية دون أن ينتبه أي أحد لذلك.
تستطيع هذه الطائرات أن تحمل كاميرات مزوّدة بأشعة تحت الحمراء، يمكن أن تلتقط من خلالها المزيد من الصور الدقيقة ومقاطع الفيديو، ويمكن أن تكون مزوّدة بإجراءات طوارئ وأجهزة اتصالات لاسلكية.
هي من حيث المبدأ ذات فوائد واسعة، ولكنها قد تحمل في طيّات هذه الفوائد مخاطر كبيرة ومرعبة عند سوء الاستخدام شكلاً ومضموناً، فمن حيث المضمون يمكن الاستفادة منها بالكثير من القضايا التنموية والدفاعية كالاستطلاع والمراقبة والتوثيق وحتى الدفاع والهجوم فعلياً، ويمكن بالمقابل أن يُساء استخدام هذه الميزات لتتحول أذيّاتٍ وعمليات تخريبية، وذلك تبعاً للشخص الذي يقود الطائرة بجهاز التحكّم وهو قابع على الأرض.
ومن حيث الشكل فمن يقود الطائرة المسيّرة يجب أن يكون خبيراً وواثقاً من نفسه بقدرته ومهارته بقيادة الطائرة، وإلاّ قد تسقط الطائرة في أي مكان مكتظّ بالسكان فتُثير الهلع وقد تؤذي وتقتل .. ! ولذلك فإن الأمر يحتاج إلى ضبطٍ دقيق يساهم في إيجاد مُحدّداتٍ ضيقة لاستخدام هذه الطائرات.
في الواقع لا أنكر أنني تفاجأت بمبادرةٍ لمجلس المفوّضين في الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد، الذي سارع إلى اعتماد محدّدات وإجراءات إدخال وترخيص واستخدام طائرات ( الدرون ) المسيّرة، واقتصر السماح باستخدامها حالياً على الجهات العامة، وشركات الإنتاج، ومن أجل الغايات التعليمية والبحثية، ولا يجوز لهذه الجهات أن تستخدمها عشوائياً، بل عليها أن تتقدّم بطلب ترخيص أولاً، ويجب أن يتضمن ذلك الطلب الغرض من استخدام الطائرة، ومعلومات تفصيلية عنها، كالماركة والموديل والوزن، وقدرتها على التحليق والارتفاع والسرعة والمدى التشغيلي، وأبعاد الطائرة وطريقة التحكّم وما إلى ذلك ..
كما يجب أن يتضمن الترخيص الأجهزة المركبة على الطائرة، والتردّدات المستخدمة فيها، ومن ثم ضمانات وتعهدات بحسن الاستخدام.
على الملأ نقول بأن هذه المبادرة الاستباقية لمجلس المفوّضين في الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد – والذي يُشكر عليها فعلاً – تساهم في تطويق حالة الذعر التي كانت ممكنة جداً لو درج استخدام الطائرات المسيّرة الصغيرة عشوائياً، فتخيّلوا أن كل واحد منّا يحمل حقيبة صغيرة فيها طائرة مسيّرة يمكنه أن يطلقها في أي وقت وأينما يشاء ولمختلف الأغراض الممكنة، هي حالة حضارية بكل تأكيد ولكن المشكلة فينا نحن إن لعبت الشياطين في رؤوس البعض وقاموا بإرسال الطائرات إلى أهدافهم الصغيرة كتلك الرؤوس ..