وأخيراً، وجد ملف التأمين الزراعي آذاناً حكومية مصغية، وأصبح لدينا “رسمياً” منتج تأميني جديد ـ لا تقليدي ـ خاص بأمننا الغذائي.
سنوات، إن لم نقل عقوداً من القبول والرفض والعمل والتشكيك والتمييع والتعطيل والمراوحة في نفس المكان، لا يمكن اختصارها بجرة قلم، أو ببضعة سطور وكلمات، أو النظر إليه من زاوية واحدة، كون الأمر مرتبطاً بصلة لا تقبل التجزئة بأسواقنا المحلية والتصديرية وموائدنا وأمننا الغذائي الوطني، وفلاحنا العلامة الفارقة والمميزة في قطاعنا الزراعي، وصاحب الحصة الأكبر من جرعات الدعم الحكومي.
وعليه، فإن حالة الإجماع والمباركة الحكومية لمنتجنا التأميني الجديد، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن ما من ملف شائك إلا وله ألف مخرج ومخرج “قانونياً وعلمياً وفنياً”، شريطة أن تتوافر النية الصادقة والمخلصة والإرادة الحقيقية والشركاء الذين لم يسبق لهم أن خاضوا يوماً تجربة وضع العصي في العجلات، على غرار ما نسمع عن هذا الملف الخدمي، وذاك الموضوع المعيشي، وتلك القضية الاقتصادية، الهامين جداً والضروريين جداً، والمنقذين جداً جداً.
ما يهمنا اليوم، وتحديداً بعد صدور القرار الحكومي الذي طال زمن انتظاره، هو التحضير الحقيقي والجدي لمرحلة ما بعد – بعد المرحلة الأولية للتأمين الزراعي التي ستعنى بالزراعات المحمية وتغطية خسائره الكلية أو الجزئية بما فيها تكاليف إنشاء البيت البلاستيكي والمزروعات بداخله، وتعويض الضرر الناتج عن التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية ابتداءً من البرد والصقيع والعواصف والزوابع مروراً بالزلازل والبراكين والانهيارات الأرضية والفيضانات وصولاً إلى التنين البحري.
مولودنا التأميني الجديد هو خطوة أولى ـ استباقية ـ باتجاه توسيع مروحة التأمين”بشكل سريع لا متسرع”، من الزراعات المحمية إلى المحاصيل الرئيسية فالاستراتيجية وصولاً إلى قطعان ثروتنا الحيوانية التي من المخطط أن يكون لكل منها حظوتها ونصيبها من جرعات الدعم الحكومي وفق الأسس والمعايير التي سيتم رسمها ووضعها على مقاس كل منتج زراعي.
التأمين الزراعي مهم جداً ليس فقط لكونه وسيلة لمنع أو التقليل من الخسائر التي قد يتعرض لها فلاحنا ومزارعنا، وإنما لدوره المأمول في استقرار العملية الزراعية وتخفيف المخاطر عليها، والتوسع بالمساحات المزروعة، وزيادة القدرة الاقتراضية للفلاح من المصارف، وتأمين بوليصة تأمينية “غير ربحية” بأقساط مريحة وإجراءات مبسطة لا معقدة، تحمي الفلاح ولا ترهقه، تجذبه لا تنفره، وتحول دون خروجه من مولدنا التأميني الزراعي دون حمص ودعم حكومي كبيرين.