منذ فجرالإنسانية، وُلد الشعركرفيق دائم للإنسان، يحمل وجدانه، ويترجم مشاعره، ويصوغ عواطفه في كلمات تنبض بالحياة، فكان الشعر مرآة للحب، وصوتاً للجمال، وراوياً صادقاً لتفاصيل الواقع .
لكن في السنوات الأخيرة، تراجع حضور الشعر في المشهد الثقافي، فتراجعت معه الأذهان المتلهفة لسماع بيتٍ جميل، أو قصيدة تخاطب العمق الإنساني، فكثير من الأمسيات الشعرية أصبحت باهتة، خالية من التأثير، فيما صدرت مجموعات شعرية لا تتعدى قيمتها ثمن طباعتها، لا تحمل من الشعر إلا اسمه، وهذا ما جعلنا نستعيد بلهفة أيام نزار قباني ومحمود درويش وعمر أبو ريشة، وغيرهم من العمالقة الذين ما زالت كلماتهم تنبض في الذاكرة وتُرددها الأجيال.
غير أن بارقة أمل أشرقت مؤخراً، حين احتضنت دار الأوبرا أمسية شعرية للشاعرين أنس دغيم وحذيفة العرجي حيث كان المشهد مدهشاً، قاعةٌ غصّت بالجمهور، وتفاعلٌ حيّ لم نشهده منذ زمن، جمهورٌ متعطشٌ للشعر، عاشقٌ للكلمة، منح الأمسية حرارة استثنائية وأعاد للشعر حضوره الطبيعي بين الناس.
هنا يبرز السؤال: أين كان الشعر؟ لماذا غاب؟ ولماذا كنا نحضر أمسيات لا يتجاوزالحاضرون فيها عدد أصابع اليد الواحدة
الجواب ربما يكمن في غياب الرؤية الثقافية التي تمنح الشعراء الحقيقيين المساحة اللائقة، وتفتح الأبواب أمام التجارب الأصيلة، لا الزائفة.
نحن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى استعادة حضورالشعر في فضائنا الثقافي، بحاجة إلى تلك الكلمة الصادقة التي تلامس الوجدان وتعيد ترتيب الفوضى في دواخلنا، نحتاج إلى أمسيات تذكرنا أن الشعر لم يمت، وأنه سيظل حاضراً ما دام هناك من يؤمن بقوته.
في هذا السياق، نأمل من وزارة الثقافة أن تولي مثل هذه الفعاليات العناية التي تستحق، وأن تنتقي الأصوات الشعرية القادرة على حمل هذا الفن النبيل، فالعودة إلى الشعر هي عودة إلى الإنسان… إلى الجمال… إلى الروح.