الثورة – آنا عزيز الخضر:
ما اعظم الفقد الذي عاشه الإنسان السوري، وتحديداً خلال العشر سنوات التي عاشها في الحرب، وإلى حدّ بات فيه الفقد يلازمه، وأصبح هاجساً من الصعوبة التخلص منه، فهو معه في كل وجهة، وفي كل مكان، وكل خطوة يخطوها..
من هنا، ﻻ يمكن لمبدع سوري إﻻ وأن يعجن إحساسه بهذا الوجع العام، لذلك نرى غالبية أعمالنا تدور في هذا السياق..
إنه ما صوره بدقة الفيلم السينمائي القصير “القلادة”.. تاليف وإخراج “قصي صالح”.. إنتاج المؤسسة العامة للسينما..
يصور العمل الفقد الكبير الذي لم يسلم منه سوري بشكلٍ من الأشكال، وقد تحدث عنه الفنان “قصي صالح” قائلاً: “الفيلم يحكي عن حالة الفقد وكيفية تعامل الأفراد مع فقدان الأشخاص في حياتهم، انطلاقاً من بطل الفيلم “وحيد”، وهو وحيد حرفياً، ويعاني من فقدان والدته..
بعض القصص لا تنتهي بالموت بل تبدأ به، وخصوصاً أن الشخص المفقود بهذه الحالة، هي أم الشخصية الأساسية التي تقول بأول جملة في الفيلم: “ماتت ومات معها العالم كله”.
سبب اختيار هذه الفكرة، هو واقعنا المعاش يومياً، حيث نتعامل مع مختلف حالات الفقدان والتكيف بأشكاله، من فقدان الأشخاص إلى الموت أو الهجرة، أو السفر أو الغياب، أو فقدان الأشياء أو فقدان الراحة وغياب السعادة، فهي ثيمة قريبة من الإحساس العام الذي أعيشه يومياً.
بالنسبة للأسلوب الإخراجي، كان منطلقي أن يكون الفيلم فيلماً فيه رعب من هذا الفقد، وعناصر قادرة على الإخافة، فكان اختيار الأسلوب المناسب لهذه الفكرة بأن يكون التصوير ليلاً، وبمشاهد الإضاءة فيها خافتة.. أيضاً، اختيار زوايا الكاميرا التي تعزز شعور الوحدة عند شخصية البطل، واختيار الألوان الباردة وتدرجات اللون الأزرق التي توحي بالحزن، وكذلك الموسيقا القادرة على توليد شعور القلق أو التوتر عند المشاهد..
كلها عوامل، تم التفكير بها وانتقاؤها كي تخدم فكرة وثيمة الفيلم، وهو المراد إيصاله.. خلق جوّ عام قادر على جذب المشاهد..
بالنسبة لصندوق المنح الإنتاجية، أعتبره فرصة داعمة للشباب وتجربة ممتعة تسمح للأشخاص الراغبين، والذين يمتلكون شغف وحب للسينما، بخوض هذه التجربة وعيشها بتفاصيلها، فهي جيدة بموضع أنها تفتح الباب لعالم جديد هو عالم السينما..”..
تابع الفنان حديثه، قائلاً عن دور الفن تجاه المجتمع:
“إنه موضوع شائك له آراء عديدة وجوانب كثيرة..
يستحضرني هنا استدعاء جملة قالها أستاذي السيد “نضال قوشحة”، مدرس مادة علم الجمال في دبلوم العلوم السينمائية: “الفن أوله تسليه و ترفيه و آخره تطهير ”
فدور الفن بأقل درجاته، أن يكون مسلياً ومرفهاً، وهو منفذ يهرب عبره الناس من كآبة وبشاعة هذه الحياة، وأعلى درجاته تطهير النفس البشرية ورفعها لمنزلة جديدة، والسمو بها، وليتمكن من فعل هذا، يجب أن يكون حراً وخالياً من اي قيود..
لقد قيل يوماً: “إذا أردت أن تبدع عليك أن تكون حراً”، فالفن بحدّ ذاته يناقش قضايا من منظور مبدعه، وهذا المبدع هو ابن مجتمعه ونتاج ذلك المجتمع، وهو بعلاقة تبادلية مستمرة تهدف إلى تقدم وتقديم أفكار ومفاهيم جديدة للمجتمع…