طبقات عديدة من الرقابة تُمارس على المال، وشرائح عدّة من المراقبين تنتشر في طول المؤسسات والوزارات وعرضها، ولكن لعل أبرزها وأقربها لذهن المواطن هم محاسبو الإدارات الذين يعتقدون أن دورهم ينحصر في حماية المال العام وردع المواطن مراجعاً كان أم متعاملاً أم موظفاً عنه، بدلاً من تدقيق ومطابقة قانونية أمر الصرف وبالتالي تحمّل مسؤوليته من عدمها.
محاسبو الإدارة هم الأذرع التنفيذية لوزارة المالية تنثرهم ذات اليمين وذات الشمال، تبعيتهم لها، خيوطهم في يديها، تواصلهم معها، وهي آلية تفترض أن المؤسسات والوزارات ذاتها غير قادرة على التعامل مع مالها الذي كفلته لها الميزانية، في حين أن محاسب الإدارة يتعامل مع مال كل جهة حكومية يلج إليها وكأنها أمانته الشخصية، مع الأخذ بالحسبان أنها مسألة باتت غير مقبولة في ظل النظم المحاسبية والمالية والقانونية الحديثة.
الغريب في الأمر أن اللوائح تنص على وجوب تغيير مكان عمل محاسب الإدارة كل فترة محددة قد تكون سنة وقد تكون سنتين اثنتين، وذلك تلافياً لتَّوافق تحت مظلة الفساد بين محاسب الإدارة وموظفي المال في الجهة التي أُرسل إليها، في حين أن الواقع يختلف عن ذلك كل الاختلاف، فهناك محاسبون في بعض المحافظات مستمرون في مكان عملهم منذ نحو 11 سنة دون انقطاع، في مخالفة واضحة وصريحة لكل اللوائح والقوانين المعمول بها، والتي تكون ذريعة للدوائر المالية في كل معاملة لا تكون على مزاج الموظف فيها، حتى يفهم المراجع أن (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان)..!!
كيف يستقيم الأمر مع وزارة المالية بأن تخالف ما وضعته هي ذاتها من لوائح وآلية عمل لمحاسبي الإدارات؟.
وهل يعقل أن يُستبدل زملاء هذا الهُمام كل سنة أو كل سنتين في حين يبقى آخرون صامدين لعقد ونيّف من الزمان؟.
هي مفارقات غريبة لا يقدر على شرحها إلا وزارة المالية، ولعلها هي الوحيدة القادرة على شرح الفائدة التي تجنيها المالية نفسها والصالح العام من بقاء البعض على ذات الكرسي كل هذه المدة.