الثورة – أيمن الحرفي:
الطفل هو حجر الأساس في بناء صرح عظيم يسمى الإنسان، اي رجل المستقبل، و هذه اللبنة الصغيرة التي تعيش بيننا واجب علينا أن نبني علاقة قوية بينه وبين والكتاب، فبين دفتي الكتاب المفيد كنوز كثيرة سواء كانت قصصاً ذات مغزى أو كتاب معلومات أو تاريخ.
يقول هنري بيتشر الفيلسوف الأمريكي: “المكتبة ليست من كماليات الحياة و لا من لوازمها و لا يحق لإنسان أن يربي أولاده من دون أن يحيطهم بالكتب ” و علاقة الطفل بالكتاب تبدأ من الأب و الأم عندما يراهما ملازمان للكتاب و هذه العلاقة تبدأ منذ سنيه الأولى، فهو يلتقط الكتاب بغرابة و يقلبه و ينظر إليه في تعجب ثم يضعه في فمه أو يثني صفحاته أو يمزقه.
هذه الحركات تصيب الأهل بالضيق، بينما يؤكد علماء النفس أنها خطواته الأولى في طريق حب القراءة. حاول مع تدرج عمره أن نفهم هذا الطفل إنه شيء خاص لا يجب إتلافه، و لنزوده بالمجلات الملونة الزاهية القديمة ليمارس هوايته، و هناك بعض الكتب تصدر أصوات الحيوانات عند تقليبها، و بعض الكتب تكون فيها أسماء بعض النباتات والحيوانات والأشياء بشكل نافر حاول اقتناءها و رتبها في مكتبته، و هكذا يعتاد على معرفة قيمة الكتاب.
مع مرور الوقت ستجد طفلك الرائع الجميل يرنو بنظرات عينيه إلى تلك الكتب لما لها من وقع السحر في نفسه، فهو يدهش من هذه الأوراق الكثيرة المليئة بصور الحشرات والأحرف والأرقام الكبيرة الملونة، تمارين و أشياء و أمور تمر عليه حول الكتب والقصص ستجعله يتعلق بالكتب أكثر ومن هذه المحاولات سرد القصص والحكايات البسيطة على مسامعه بشرط أن نجعله يشاركنا تصفح الكتاب ومشاهدة صوره حتى نغذي خياله، و ننمي قدراته على الربط بين الأحداث.
و ما أجمل تلك الصورة التي نرى الطفل في حضن والده أو والدته و هما يقلبان الكتاب بالنظر و اللمس و إظهار علامات التعجب و الاستغراب و الدهشة، و بذلك نساعد الصغار على اكتساب حس القراءة و حب المطالعة، ننقل لهم المتعة التي نجنيها من القراءة كاملة.
علينا تجنب الهروب من حكاية قبل النوم التي كانت تمتعنا بها جداتنا، فالهدوء الذي يلف المكان أثناء نوم الصغير يريح اعصابه و يساعده أن يذوب في عالم القراءة و هكذا تقوي في داخله الرغبة في فك رموز هذه الكلمات المكتوبة التي تخفي وراءها كل هذه القصص و الخيالات الشيقة و المعلومات الجديدة، وذلك بشرط أن ينعكس التشوق والمتعة و الاندهاش على وجه من يلقي هذه الحكاية على مسمع الصغير.
و هناك مثل ألماني يقول: لاينمو الجسد إلا بالطعام والرياضة، و لا ينمو العقل إلا بالمطالعة والتفكير، و على الطفل الربط بين الصورة و الكلمة، و لابد من انتقاء الكتب التي لا تشعر الطفل بالبلاهة، مثل تلك الكتب التي تصف الكلب بأنه( هاو- هاو ) والدجاجة بأنها( كوكو ).
فالكتاب كما يصفه مثل صيني: ( الكتاب نافذة نستطلع من خلالها العالم )، و عندما يبلغ الطفل عامه الرابع أو الخامس نبدأ باتخاذ أول خطوة لتعليمه القراءة، و لكن من دون عنف، و من دون ضغط، و تكون تلك الخطوة بتعليمه الحروف الأبجدية و الأرقام عن طريق الكتب الجذابة التي تجمع بين الحرف و الصورة مع عدم التوقف عن قراءة القصص و الروايات الصغير خاصة قبل النوم و لانحرمه منها كعقاب على فعل لم يعجبنا، و يمكن استبدالها بعقاب آخر فهي تدخل البهجة إلى قلبه و تلعب دوراً هاماً في توطين العلاقة العاطفية بين الصغير ووالديه، و هي أيضا وسيلة لتنمية لغته و تعليمه مبادئ الجمل و معاني الكلمات.
يقول عباس محمود العقاد : ” يقولون اقرأ ما ينفعك و لكني أقول: بل انتفع بما تقرأ ” ، و مع دخول الطفل إلى المدرسة يعمد بعض الآباء إلى ترك المسؤولية كاملة على المدرسة لتعليم الطفل، لكن الطبيب والباحث التربوي جوزيه موريه لا ينصح بذلك فهو قد قضى ثمانية عشر عاماً في عمل أبحاث و دراسات حول تعليم القراءة للأطفال و اتضح له أن النتيجة تكون أفضل كثيراً إذا تعاون الأهل مع المدرسة في تعليم الطفل بشرط أن يتبع الاثنان نفس الأسلوب و هو الأسلوب المرحلي أو التدريجي و هو منهج تقليدي يعتمد على تعليم الطفل أولا الحروف الأبجدية ثم الكلمات ثم الجمل و قواعد بنائها.
سئل فولتير مرة من سيقود الجنس البشري، فأجاب: الذين يعرفون ماذا وكيف يقرؤون.
و قيل لأرسطو: كيف تحكم على انسان؟ فأجاب: اساله كم كتاباً يقرأ.. و ماذا يقرأ؟ فالكتب هي الآثار الأكثر بقاء على مر الزمن.
و أخيراً صدق من قال: (قل ماذا تقرأ أقل لك من أنت).