الملحق الثقافي:
ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في 16 تشرين الأول 1868، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وعلى جانب من الغنى والثراء، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر. لما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ صالح، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجري على لسانه. حين بلوغه سن الخامسة عشرة التحق بمدرسة الحقوق، وذلك سنة (1303هـ/1885م)، وانتسب إلى قسم الترجمة الذي كان قد أنشئ بها حديثًا، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ محمد البسيوني، ورأى فيه مشروع شاعر كبير.
بعد ذلك سافر إلى فرنسا على نفقة الخديوي توفيق، وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولى منطلقات شوقي الفكرية والإبداعية، وخلالها اشترك مع زملاء البعثة في تكوين (جمعية التقدم المصري)، التي كانت أحد أشكال العمل الوطني ضد الاحتلال الإنجليزي. وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفى كامل، وتفتّح على مشروعات النهضة المصرية.
وقد نفى الإنجليز الشاعر إلى إسبانيا عام 1915، وفي هذا النفي اطلع أحمد شوقي على الأدب العربي والحضارة الأندلسية هذا إضافة إلى قدرته التي تكونت في استخدام عدة لغات والاطلاع على الآداب الأوروبية، وكان أحمد شوقي في هذه الفترة على علم بالأوضاع التي تجري في مصر، فأصبح يشارك في الشعر من خلال اهتمامه بالتحركات الشعبية والوطنية الساعية للتحرير عن بعد وما يبث شعره من مشاعر الحزن على نفيه من مصر، وعلى هذا الأساس وجد توجه آخر في شعر أحمد شوقي بعيداً عن المدح الذي التزم به قبل النفي. عاد شوقي إلى مصر سنة 1920.
في عام 1927، بايع شعراء العرب كافة شوقي أميراً للشعر، وبعد تلك الفترة تفرغ شوقي للمسرح الشعري حيث يعد الرائد الأول في هذا المجال عربياً؛ ومن مسرحياته الشعرية مصرع كليوباترا وقمبيز ومجنون ليلى وعلي بك الكبير.
وهو المعروف بحبه لسورية وله فيها الكثير من القصائد، من منا لايردد سلام من صبا بردى ؟
اليوم نقدم قصيدته في رثاء البطل يوسف العظمة بمناسبة مرور 102 سنة على ملحمة البطل يوسف العظمة ومعركة ميسلون
بني سورية
حَــيــاةٌ مــا نُــريــدُ لَهــا زِيــالا
وَدُنــيــا لا نَــوَدُّ لَهـا اِنـتِـقـالا
وَعَـــيـــشٌ فـــي أُصـــولِ المَــوتِ سَــمٌّ
عُـــصـــارَتُهُ وَإِن بَـــسَـــطَ الظِــلالا
وَأَيّــامٌ تَــطــيــرُ بِــنــا سَــحــابــاً
وَإِن خــيــلَت تَــدِبُّ بِــنــا نِــمــالا
نُـريـهـا فـي الضَـمـيـرِ هَـوىً وَحُـبّـاً
وَنُــســمِــعُهــا التَــبـرُّمَ وَالمَـلالا
قِـصـارٌ حـيـنَ نَـجـري اللَهـوَ فـيـهـا
طِــوالٌ حــيــنَ نَــقــطَــعُهــا فِـعـالا
وَلَم تَــضُــقِ الحَــيــاةُ بِــنـا وَلَكِـن
زِحــامُ الســوءِ ضَــيَّقــَهــا مَــجــالا
وَلَم تَــقــتُــل بِــراحَـتِهـا بَـنـيـهـا
وَلَكِـن سـابَـقـوا المَـوتَ اِقـتِـتـالا
وَلَو زادَ الحَــيــاةَ النـاسُ سَـعـيـاً
وَإِخـــلاصـــاً لَزادَتـــهُـــم جَــمــالا
كَـــأنَّ اللَهَ إِذ قَـــسَــمَ المَــعــالي
لِأَهــلِ الواجِــبِ اِدَّخَــرَ الكَــمــالا
تَــرى جِــدّاً وَلَســتَ تَــرى عَــلَيــهِــم
وُلوعــاً بِــالصَــغــائِرِ وَاِشــتِـغـالا
وَلَيــســوا أَرغَـدَ الأَحـيـاءِ عَـيـشـاً
وَلَكِـــن أَنـــعَــمَ الأَحــيــاءِ بــالا
إِذا فَـعَـلوا فَـخَـيـرُ النـاسِ فِـعـلاً
وَإِن قــالوا فَــأَكــرَمُهُــم مَــقــالا
وَإِن سَــأَلَتـهُـمـو الأَوطـانُ أَعـطَـوا
دَمــــاً حُــــرّاً وَأَبــــنـــاءً وَمـــالا
بَـنـي البَـلَدِ الشَـقـيـقِ عَـزاءَ جـارٍ
أَهـــابَ بِـــدَمـــعِهِ شَـــجَــنٌ فَــســالا
قَــضــى بِــالأَمــسِ لِلأَبــطــالِ حَـقّـاً
وَأَضــحــى اليَـومَ بِـالشُهَـداءِ غـالي
يُـــعَـــظِّمـــُ كُـــلَّ جُهـــدٍ عَـــبـــقَـــرِيٍّ
أَكــانَ السِــلمَ أَم كــانَ القِـتـالا
وَمـــا زِلنـــا إِذا دَهَــتِ الرَزايــا
كَــأَرحَــمِ مــا يَــكــونُ البَـيـتُ آلا
وَقَــد أَنــســى الإِسـاءَةَ مِـن حَـسـودٍ
وَلا أَنـسـى الصَـنـيـعَـةَ وَالفِـعـالا
ذَكَـــرتُ المِهـــرَجــانَ وَقَــد تَــجَــلّى
وَوَفــدَ المَــشــرِقَــيــنِ وَقَـد تَـوالى
وَداري بَـــيـــنَ أَعــراسِ القَــوافــي
وَقَــد جُــلِيَــت سَــمــاءً لا تُــعــالى
تَـــسَـــلَّلَ فــي الزِحــامِ إِلَيَّ نِــضــوٌ
مِــنَ الأَحــرارِ تَــحــسَــبُهُ خَــيــالا
رَســـولُ الصـــابِــريــنَ أَلَمَّ وَهــنــاً
وَبَــلَّغَــنــي التَــحِــيَّةــَ وَالسُــؤالا
دَنــا مِــنّــي فَــنــاوَلَنــي كِــتـابـاً
أَحَــــسَّتــــ راحَــــتـــايَ لَهُ جَـــلالا
وَجَــدتُ دَمَ الأُســودِ عَــلَيـهِ مِـسـكـاً
وَكـانَ الأَصـلُ فـي المِـسكِ الغَزالا
كَـــأَنَّ أَســـامِــيَ الأَبــطــالِ فــيــهِ
حَـــــوامِـــــمٌ عَــــلى رِقٍّ تَــــتــــالى
رُواةُ قَــــصـــائِدي قَـــد رَتَّلـــوهـــا
وَغَـــنَّوهـــا الأَسِــنَّةــَ وَالنِــصــالا
إِذا رَكَزوا القَنا اِنتَقَلوا إِلَيها
فَـكـانَـت فـي الخِـيـامِ لَهُـم نِـقالا
بَــنــي ســورِيَّةــَ اِلتَــئِمــوا كَـيَـومٍ
خَــرَجــتُــم تَــطــلُبـونَ بِهِ النِـزالا
سَـــلو الحُـــرِيَّةــَ الزَهــراءَ عَــنّــا
وَعَــنــكُـم هَـل أَذاقَـتـنـا الوِصـالا
وَهَــل نِــلنــا كِــلانـا اليَـومَ إِلّا
عَــراقــيــبَ المَــواعِــدِ وَالمِـطـالا
عَـرَفـتُـم مَهـرَهـا فَـمَهَـرتُـموها دَماً
صَـــبَـــغَ السَـــبـــاسِـــبَ وَالدِغـــالا
وَقُــمــتُــم دونَهــا حَــتّــى خَـضَـبـتُـم
هَــوادِجَهــا الشَــريـفَـةَ وَالحِـجـالا
دَعـوا فـي النـاسِ مَـفـتـوناً جَباناً
يَــقــولُ الحَــربُ قَـد كـانَـت وَبـالا
أَيُـــطـــلَبُ حَـــقَّهـــُم بِــالروحِ قَــومٌ
فَـتَـسـمَـعُ قـائِلاً رَكِـبـوا الضَـلالا
وَكــونــوا حــائِطــاً لا صَــدعَ فـيـهِ
وَصَـــفّـــاً لا يُــرَقَّعــُ بِــالكَــســالى
وَعــيــشــوا فـي ظِـلالِ السِـلمِ كَـدّاً
فَــلَيــسَ السِــلمُ عَــجــزاً وَاِتِّكــالا
وَلَكِــن أَبَــعــدَ اليَــومَــيــنِ مَـرمـىً
وَخَــيــرَهُــمــا لَكُــم نُــصــحــاً وَآلا
وَلَيـــسَ الحَـــربُ مَــركَــبَ كُــلِّ يَــومٍ
وَلا الدَمُ كُـــــلَّ آوِنَـــــةٍ حَــــلالا
سَــأَذكُــرُ مــا حَــيــيـتُ جِـدارَ قَـبـرٍ
بِـــظـــاهِـــرِ جِـــلَّقَ رَكِــبَ الرِمــالا
مُــقــيــمٌ مــا أَقــامَــت مَــيــسَــلونٌ
يَــذكُــرُ مَــصــرَعَ الأُسُــدِ الشِـبـالا
لَقَــد أَوحــى إِلَيَّ بِــمــا شَــجــانــي
كَـمـا تـوحـي القُبورُ إِلى الثَكالى
تَــغَــيَّبــَ عَــظــمَـةُ العَـظَـمـاتِ فـيـهِ
وَأَوَّلُ سَـــــيِّدٍ لَقِـــــيَ النِــــبــــالا
كَـــأَنَّ بُـــنــاتَهُ رَفَــعــوا مَــنــاراً
مِــنَ الإِخـلاصِ أَو نَـصَـبـوا مِـثـالا
سِــراجُ الحَــقِّ فــي ثَـبَـجِ الصَـحـارى
تَهـــابُ العـــاصِـــفـــاتُ لَهُ ذُبــالا
تَــرى نــورَ العَــقــيــدَةِ فـي ثَـراهُ
وَتَــنــشَــقُ فــي جَــوانِـبِهِ الخِـلالا
مَــشــى وَمَـشَـت فَـيـالِقُ مِـن فَـرَنـسـا
تَــجُــرُّ مَــطـارِفَ الظَـفَـرِ اِخـتِـيـالا
مَـــلَأنَ الجَـــوَّ أَســلِحَــةً خِــفــاقــاً
وَوَجـــهَ الأَرضِ أَســـلِحَـــةً ثِـــقــالا
وَأَرسَـــلنَ الرِيـــاحَ عَــلَيــهِ نــاراً
فَـمـا حَـفَـلَ الجَـنـوبُ وَلا الشَمالا
سَـــلوهُ هَـــل تَـــرَجَّلـــَ فــي هُــبــوبٍ
مِــنَ النــيــرانِ أَرجَــلَتِ الجِـبـالا
أَقـــامَ نَهـــارَهُ يُـــلقـــي وَيَــلقــى
فَـــلَمّـــا زالَ قُــرصُ الشَــمــسِ زالا
وَصــاحَ نَــرى بِهِ قَــيــدَ المَــنـايـا
وَلَسـتَ تَـرى الشَـكـيمَ وَلا الشِكالا
فَـــكُـــفِّنــَ بِــالصَــوارِمِ وَالعَــوالي
وَغُــيِّبــَ حَــيــثُ جــالَ وَحَــيـثُ صـالا
إِذا مَـــرَّت بِهِ الأَجـــيــالُ تَــتــرى
سَــمِــعــتَ لَهــا أَزيــزاً وَاِبـتِهـالا
تَــعَــلَّقَ فــي ضَــمــائِرِهِــم صَــليـبـاً
وَحَــــلَّقَ فـــي سَـــرائِرِهِـــم هِـــلالا
العدد 1104- 26-7-2022