الملحق الثقافي – عبد الحميد غانم:
لغة التحليل الإعلامي ينبغي أن تبتعد عن المبالغات وكثرة ضرب الأمثلة لتأكيد الرأي، وأن تبتعد عن اللغة العاطفية أو الأدبية الزائدة، وكذلك أن تبتعد عن التوجيه المباشر أو الخطابة أو الإقناع بالتخويف أو إطلاق الاتهامات دون بحث ومعلومات.
كما يستخدم التحليل الإعلامي المصطلحات الإعلامية المعروفة التي لها مدلولات محددة في ذهن غالبية الجمهور.
وكاتب التحليل لابدّ أن يكون قارئاً جيداً خصوصاً في المجال الذي يرغب في الكتابة فيه، ولا يمل من البحث عن معلومات حقيقية من مصادر موثوقة. ومصادر المعلومات إما حيّة وهي الأشخاص وإما غير حيّة مثل الكتب والوثائق والصحف وأجهزة المعلومات: إذاعة – تليفزيون – إنترنت.. إلخ.
وكاتب التحليل يتصور كافة الاحتمالات المطروحة في محاولة للتفسير الموضوعي والمقنع والمحايد للأسباب وكذلك للنتائج المتوقعة أو أقربها إلي ذلك. وكثرة الكتابة والمتابعة وقراءة نماذج من التحليلات الإعلامية سوف تؤدي بالتالي إلى الإجادة سواء من حيث طريقة العرض أو سلامة الأسلوب أو حجم المعلومات المتوافرة.
-ظاهرة المحلل.. وظيفة أو دور جديد للإعلام
عرفت الفضائيات العربية والأجنبية ظاهرة إعلامية لم تكن مألوفة في إعلامنا العربي قبل سنوات قليلة، هي ظاهرة المحلل الإعلامي.. ظاهرة مستحدثة في إعلامنا العربي. هي ما يُعرف اليوم بمسميات تطلق على أشخاص فرديين وفق ما يتم تعريف الضيف في البرنامج السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي مثلاً (معنا في البرنامج الباحث أوالمحلل، أو من مركز الدارسات الاستراتيجية، أو من المركز الإعلامي في..) أو ما يسمى بأشخاص نراهم لأول مرة يوصفون بأوصاف ومسميات مثل ( الباحث الاستراتيجي – المحلل الاستراتيجي – أو المثقف أوالمفكر أو المحلل الإعلامي… وغير ذلك ) .
فلم تعد تخلو نشرة أخبار أو برنامج سياسي أو برنامج حواري اجتماعي أو اقتصادي أو حتى ثقافي، إلا وتستضيف المحطة الإعلامية محللاً في واحدة من هذه الشؤون، لما يضفيه هذا الضيف الذي يستحوذ اهتمام الكثيرين من متابعي المحطات الفضائية، من حالة مشوّقة يثيرها بتحليلاته ورؤيته تجاه الأحداث والظواهر الإعلامية، نظراً لما يقدّمه من تحليلات ورؤى تجاه القضايا والأحداث الإعلامية الساخنة، طبعاً هذا ليس من باب المتنبئين الفلكيين أوالعرافين الذي يشدون بأحاديثهم وتنبواءتهم للمستقبل انتباه الجمهور أكثر من برامج المحطة الأخرى.
لذلك قالمحطات الإعلامية عزفت على هذا الوتر وأرادت إشباع لهفة المشاهدين لمعرفة خفايا الأمور ومستقبلها ولو كانت غير دقيقة وتحتمل الخطأ والصواب، لكن الدافع الداخلي في النفس البشرية لمعرفة خفايا الأمور المثيرة باهتمامه تدفع الشخص لسماع ما يريحه داخلياً، ومن هنا جاء اهتمام وسائل الإعلام باستضافة المحلل.
مع تنامي دور الإعلام في عملية التنشئة السياسية والوعي الإعلامي، وفي ظلّ الأحداث الدرامية المتصاعدة والمتسارعة في المنطقة العربية، دخل المحلل الإعلامي كأحد الأدوات الفاعلة في عملية التنشئة الاجتماعية والمواطنة والولاء لنظام سياسي ولقيم مجتمعية محددة والدفاع عن مواقف أمة أو دولة أو حزب سياسي أو جهة ما، وبات الإعلام وسيلة مهمة لمحاورة الآخر وتسويق صورة الأمة وقيمها وحضارتها للعالم، وفي صناعة الرأي العام في هذه السنوات الأخيرة التي حفلت بالكثير من الأزمات والأحداث الإعلامية.
وصار المحللون كالجنود والأطباء والمهندسين والمعلمين تدربهم الدول والحكومات والأحزاب والمؤسسات بمختلف صفاتها وأشكالها، كي تستخدمهم في توضيح أهدافها والدفاع عن مواقفها والدعاية لها واستمالة الجمهور نحوها.
شكّل نجاح المحلل الإعلامي ودوره في صناعة الوعي الإعلامي لجمهور المتلقي عاملاً مهما في الإعلام، تتوقف على قدرة هذا المحلل، وأسلوبه، ولغته، وشكله القدرة على شدّ انتباه الجمهور والحصول على ثقتهم. وصار هناك معايير ومحددات لنجاح المحلل الإعلامي، تتمثل في أسلوبه وشخصيته ولغته
-أسلوب عرض الأفكار وتحليلها
لكي يكون المحلل الإعلامي مقنعاً في تحليله، ويحظى بإهتمام وتأييد المتلقي، لابدّ أن يكون أسلوبه، يتمتع بما يلي:
استخدام الأسلوب التحليلي المرتبط بالمعنى، أي أن يعرف أمام من يتكلم، ومن يخاطب، وأن يختار الصيغ والتعبير اللغوي بشكل منهجي ومتلازم لإيصال الفكرة واستنهاض مشاعر وعواطف الجمهور وإقناعه بالرؤية التي تمكنه من إقامة علاقة تواصل وتفاعل بينه وبين المتلقي.
القدرة على الإقناع، ويتطلب من المحلل الإعلامي دماثة لغوية وهدوءاً ومعرفة بالسياسة أو الموضوع المثار حوله الخبر والقضية مادة الحديث الإعلامي، وأن يعرض أفكاره ضمن مخطط يعدّه بنفسه، ويعرف تماماً، ماذا يريد أن ينقله؟، وكيف؟، بغية زرع مايريده في ذهن جمهوره. أين يستعمل هذا المعنى أو هذا اللفظ ؟، ومتى يقدّم المعلومة أو يخفيها، أو يظهرها ؟.
إدراك المحلل الإعلامي الكلمات والمصطلحات التي يطرحها،وينطق بها لاستنهاض رد الفعل على أنها مؤشر ومرجع لمعتقده أو أيديولوجيته وثقافته التي يريد أن يسوقها لجمهوره، إذ يعد رد فعل البشر على ما يسمعون أو يقرؤون مؤشراً على القبول أو الرفض.
استخدام اللغة كوظيفة سياسية واجتماعية غير وظيفة نقل التشويش الدلالي، فيصل بالمحلل الإعلامي أحياناً إلى مناشدة الرأي العام لكسب دعم الجمهور.
يركز المحلل على مناداة العقل لتبرير ما يقوله، ويدرك ثقافة المخاطب، وخاصة في المجتمعات التي تهيمن عليها المعتقدات الدينية، وقيم حقوق الإنسان أو حكم القانون أو المسائل الداخلية والدولية.
يتناول المحلل موضوعات تهمّ الجمهور، ويقدم قراءته الموضوعية .
شخصية المحلل:
إدراك المحلل أن جزءاً كبيراً من تأثير حديثه على الجمهور يعود إلى شخصيته في إدارة الحوار ومعالجة الموضوع من جوانبه المهمة:
إدراك المحلل الإعلامي المؤثرات النوعية مثل:(الصوت – تعابير الوجه – الابتسامة – الصوت الدافىء الإذاعي – النفس العميق – الهدوء – وضعية الجلوس – المظهر اللائق).
أن يتطابق كلام المحلل مع أهدافه، وليس على إنجازه اللغوي، وإنما تقبل آراء مستمعيه.
أن يكون المحلل مقتضباً في حديثه ويتجنب الإطالة أو الخروج عن الموضوع، ويواكب الزمن المخصص له، ويتجنب حشو الكلام، أو التكرار الزائد، والتأتأة، واستخدام عبارات منمقة.
الابتعاد عن الأشياء التي تثير اشمئزاز الجمهور، مثل(إشعال سيجارة- اهتزاز الكرسي- الإبطاء في الحديث كثيراً- النظر في الأرض أو في ديكور الاستديو).
عدم تغيير الموضوع أو الخروج عنه، وعدم استخدام عدد من جزئيات الموضوع، وينسى الموضوع الرئيس.
عدم الافراط بالتحليل حتى لايتعب المتلقي، ويحاول التكثيف والإيجاز، والإحاطة بالموضوع.
– اللغة :
تعد اللغة أكثر أهمية في بنية التحليل الثقافية واللغوية المستخدمة لدى المحلل لتحقيق الفهم العميق عند المتلقي. اللغة انعكاس للحياة، فـ(سابير) نظر إلى اللغة على أنها:»طريقة فطرية لدى الإنسان وغيره لتواصل الأفكار والعواطف والرغبات من إصدار رموز بشكل طوعي». ورأى(سابير) أن أفكاراً وأفعال الفرد تقررها اللغة أو اللغات التي يتحدث بها، وأن كلّ أفكار الإنسان و أفعاله مكبّلة بقيود اللغة.
وتعد اللغة صلة تواصل وتفاعل بين البشر، يقول اللساني الأميركي المعاصر(روبرت هوال )في مقالة له حول اللغة:» إن اللغة هي المؤسسة التي يتواصل من خلالها البشر، ويتفاعلون مع بعضهم بعضاً من خلال استخدامهم رموزاً شفوية متعارفاً عليها بشكل طوعي».
وفي تركيزه على أن :»اللغة مجموعة من الجمل وغير المحددة»، ركز (تشومسكي) على المحددات البنيوية للغة، وقد ميز بين القدرة على الأداء، فالقدرة هي قدرة الفرد على الانخراط في نشاط لغوي.في حين أن الأداء هو: الانخراط الفعلي في النشاط اللغوي،وهو السلوك اللغوي لشخص ما، في زمن ما. مواصفات المحلل الإعلامي الناجح:
المحلل الإعلامي إذن هو ذلك الشخص الذي يقوم بعملية التحليل باستخدام الخبرة العلمية واللغة المناسبة والأُسلوب الفني الجذاب للمتلقي. وكلما كان لديه معلومات كثيرة وصحيحة ومصادر متعددة كانت رؤيته الاعلامية صائبة، وكان تحليله أقرب للحقيقة.
لقد يبتعد المحلل الإعلامي الواعي لدوره وفكره عن المبالغة لتأكيد صوابية رأيه، كما يبتعد عن اللغة العاطفية والأدبية الزائدة، وكذلك عن التوجيه المباشر أو الخطابة أو محاولة الإقناع بالتخويف وإطلاق الاتهامات دون معلومات تؤكد ذلك، في حين يقوم بتقديم الأمثلة على حديثه ومعطياته ومؤشراته ليدلل عن صحة رؤيته، ويستخدم مصطلحات سياسية معروفة لها مدلولات محددة في ذهن المتلقي مثل الحرب الباردة، حلف الناتو وغيرها من أجل تأثير جيد على عملية التحليل، وكلما استخدم المحلل لغة الأرقام والوثائق في عملية التحليل كان ذلك أفضل.
والشيء المؤكد أن عملية التحليل في الإعلام عملية معقّدة وصعبة، تحتاج إلى الكثير من المهارات والصفات الواجب توفرها في شخصية المحلل وفكره وثقافته، أهمها:
– المعرفة والثقافة: وهي الأساس الذي يجب أن تتوفر في المحلل مثل التأهيل المناسب وقاعدة المعلومات والبيانات، وكذلك مواكبة الأحداث والمتغيرات على الساحة الإعلامية ومراعاة الظروف الإعلامية الراهنة.
– التخصص: لا شك أن الثقافة العامة مطلوبة في كلّ شيء لاسيما في المحلل، ولكن يجب أن يكون المحلل شخصاً متخصصاً في الموضوع المراد تحليله سواء كان سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً وغيرها من المجالات، فالخبرة والمعلومات التي يمتلكها المتخصص لا تتوافر لدى الآخرين وتكون ذات فائدة كبيرة.
– الدقة: المطلوب من المحلل دائماً تحري الدقّة والابتعاد عن المعلومات الخاطئة والمضللة والبعيدة عن التهويل أو التهوين وإنما عرض الحقيقة المجردة حتى تكون لديه المصداقية في تحليله أمام الرأي العام.
– بُعد النظر : ونقصد بها أن يكون لدى المحلل الرؤية الثاقبة للموضوع وما قد تؤول إليه الأحداث وعدم الانخداع ببعض المؤشرات، إضافة إلى القدرة على ربط الأحداث واستخلاص النتائج، وكذلك الابتعاد عن الأحكام المسبقة والقياس على أحداث مشابهة دون مراعاة اختلاف الظروف والمعطيات.
– التجرد من العاطفة: وهذه من الملاحظات المهمة التي يجب مراعاتها بحيث لا يخلط المحلل بين معتقداته وعواطفه، ففي الحقيقة كلما كان عرض الموضوع بحيادية وموضوعية كان ذلك في صالح التحليل.
– القدرة على الإقناع: وهذه ملكة قلّ ما يتصف بها شخص معين، وهي تحتاج إلى صقل وتدريب واستخدام أساليب مشوقة لشد انتباه المتلقي، وكذلك التركيز على النقاط المهمة ومحاولة إبرازها بشكل واضح.
العدد 1106 – 9- 8-2022