ما الذي يمكن أن نقوله عن وضع مستشفياتنا وهيئاتنا الطبية بعد أكثر من إحدى عشرة سنة من العدوان الإرهابي على البلد وعليها؟
وما هو وضع تجهيزاتها وقدراتها والإمكانيات البشرية فيها بعد هذه السنوات الصعبة ؟
وهل ما زالت قادرة على تقديم الخدمات الطبية الإسعافية والعلاجية في الحدود المطلوبة ؟
وما الدور المأمول منها بعد سنوات العدوان؟
أراني لا أجافي الحقيقة والواقع حين أقول إن ثمة عملاً أقرب إلى الخيال، ذلك الذي يقوم به أطباؤنا وممرضونا والكادر الفني وحتى الإداري في مشافي الحكومة، وخاصة تلك المستشفيات الكبيرة منها، مثل الهيئة العامة لمستشفى المواساة الجامعي، أو مستشفى الأسد الجامعي أو مستشفى دمشق( المجتهد) أو مركز الباسل لجراحة القلب أو مجمع المستشفيات والاختصاصات الطبية في مجمع ابن النفيس، وغيرها الكثير من المستشفيات والمراكز الصحية والطبية التابعة لوزارتي التعليم العالي والصحة ، ليبقى الحديث عن المستشفيات العسكرية شأناً آخر فوق الوصف والتناول.
إن سنوات العدوان الإرهابي على سورية أخرجت الكثير من المراكز الطبية خارج الخدمة، وطال التفجير مؤسسات كبيرة مثل مستشفى الكندي في حلب الذي يعد من أكبر وأهم المستشفيات آنذاك، إضافة إلى مئات المراكز الصحية والاجتماعية التابعة لوزارة الصحة التي تم تخريبها ونهبها وسرقة محتوياتها كمقدمة لترك المواطنين يواجهون أقدارهم دون وجود كوادر طبية أو معدات أو أدوية، الأمر الذي تم تنفيذه ضمن سياسة مدروسة بدقة بهدف تدمير البلد وجعله يتآكل بالتدريج وصولاً إلى تدميره التام، وهو ما لم يحصل رغم القوة العدوانية الكبيرة وتوزع الإرهاب والإرهابيين على بقاع واسعة من مساحة الوطن.
والآن بعد هذه السنوات الصعبة أقولها بمنتهى القوة وبكثير من الثقة إن أهم العوامل القوية والفاعلة في القطاع الصحي والطبي كان وما زال العامل البشري، شأن القطاعات كلها، فقد أثبت المواطن السوري أنه يمتلك قدرات غير عادية في مواجهة الأزمات والتصدي لها والقدرة على اجتراح حلول إيجابية لها مهما كانت.
فهذه مستشفياتنا المحرومة من المعدات الطبية الحديثة والمستلزمات ذات التكنولوجيا المتطورة تواجه أزمة كبيرة لا تعرفها مستشفيات العالم كله، لكن يعوض ذلك القدرة البشرية والطاقة الكبيرة الموجودة لدى الإنسان ذاته، بدءاً من أعلى الهرم الإداري وصولاً إلى كل عامل في موقعه الفاعل.
وللإنصاف فإن ثمة مديرين لا يتركون صغيرة ولا كبيرة إلا ويتابعونها بدقة، بل ويعملون فوق المطلوب منهم، وللتدليل فقط أقول إنني اتصلت بالأستاذ الدكتور عصام الأمين المدير العام لهيئة مستشفى المواساة الجامعي راجياً إياه مساعدة شخص قادم من مدينة حلب لإجراء بعض التحاليل فقط، ليكتشف الدكتور الأمين أنه يحتاج أخذ جرعات في مستشفى البيروني وليس في المواساة ، فقام بالاتصال بإدارة مستشفى البيروني وتأمين العلاج وطريقته وكل ما يلزم، ولا يقف الأمر عند هذه الحادثة لتتكرر يومياً العديد من الحالات التي يتابعها شخصياً فيدفع بذلك جميع الأطباء والفنيين والعاملين للاقتداء به والعمل بما يفوق طاقة الفرد برضا وسعادة معتمدين فكرة كمون السعادة في العطاء والمساعدة، لينسحب هذا الوضع على بقية مستشفياتنا كنماذج للعمل والارتقاء ومواجهة التحديات الصعبة التي نعيشها منذ بداية العدوان الإرهابي علينا قبل أكثر من أحد عشر عاماً.
إذا كان العمل الطبي إنسانياً بالأساس، فإن وجود أشخاص يتمثلون تلك الحالة الإنسانية يشكل المحك الأساسي لجوهر هذه المهنة ، فكيف يكون الوضع مع الإنسان الذي احتمل ضغوط الغرب كله وتصدى لاعتداءاته كلها، وأثبت أنه مصمم على المواجهة متمسكاً بوطنه ومدافعاً عن كرامته ورافضاً السماح لأي معتد من النيل من كرامة وسيادة وطنه.
ذلك هو السوري، وتلك هي سيرته، وذلك هدفه الوحيد.