الملحق الثقافي- سامر خالد منصور:
صور وتعابير شكلت لغة شاعرية مكثفة في عديدٍ من المواضيع، هكذا كتب القاص الشاب موسى تقي مجموعته القصصية « سأبحرُ غداً .. « بفنيات اعتدنا عليها في القصائد أكثر مما اعتدنا عليها في القصص كـ «تراسل الحواس» وبسردٍ لاحشو ولا إطالات فيه، وقد يتوارد إلى الذهن في ضوء ما نعيشه اليوم بأن عنوان المجموعة يُقصد به الهجرة أو ما شابه، ولكن يستوقفنا فيه «سين التسويف « وكلمة غداً ليكون الإرجاء مُركباً، وإن نظرنا إلى العنوان من زاوية أخرى فـ « الإبحار « قد يرمز إلى خوض رحلة أو مغامرة أو للاستكشاف وهنا نعود إلى التسويف فنتساءل ما الذي يمنع من فرد الأشرعة والإبحار الآن ؟!
« تذكرت يدان مليئتان بالتجاعيد تفوح منهما رائحة الاحتواء، يحرق عينيَّ الانتظار، أصابعٌ تلاحقُ فراشة الوهم .. إلخ «.
استطاع القاص موسى تقي تجاوز عيوب المذهبين الرومنسي والتقليدي في بنائه لشخصيات قصصه حيث لم تأتِ بإحدى اللونين « الأبيض والأسود « فقد استطاع كسر ثنائية الخير والشر في تكوينه لها منتبهاً إلى أهمية الدخول في عوالم الشخصية حيث هناك صراع لا يقلُّ أهمية عن الصراع المؤدي إلى الأحداث خارجها.
اتسمت معظم القصص بانتمائها إلى ما يعرف بالـ « القصة النفسية « حيث اعتمد القاص تقي أنسنة الأشياء، و كان للمونولوج نصيب وافر فلم تخلو قصة منه، كما عمدَ إلى تصوير الأماكن والشخصيات بدقة مُسقطاً عليها المنظور النفسي للسارد، وحمَّلَ ذلك التصوير منعكسات الحالات الشعورية لشخصيات قصصه وتجلى ذلك على سبيل المثال في قصته بعنوان « تماهي « صفحة ٦٧.
جاءت بعض عناوين المجموعة القصصية تشوق القارئ إلى قراءة القصص مثال ذلك : « فوبيا ، حكاية مع الوحل ، النخب الأخير، دوافع الهرب، هديل الداعرة «.
اشتغل القاص تقي على « المكان « بوصفه أحد العناصر الرئيسية للقصة واستطاع تجاوز عتبة التوقعات من شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر من حيث تعدد الموضوعات التي تناولتها قصصه وأنواع تلك الموضوعات كـ « كون الأمراض النفسية لدى الآباء قد تولد أمراضًا نفسية مشابهة أو مختلفة وعقدًا نفسية لدى الأبناء، وأن علينا أن نكبح اندفاعنا اتجاه أي إنسان لا نجد سلوكه سويًا ونسعى لتفهم حالهِ عوضًا عن معاقبته ذلك أنه قد يكون محتاجًا للمساعدة لا العقاب «.
وعلى صعيد العلاقات الإنسانية لفتت بعض قصصه إلى حقوق المرأة التي تُغيّب المجتمعات الشرقية بعضها، كما كرّس تقي رابطة « الحُب « كعلاقة تكاملية تقوم على العطاء المتبادل وليس على التعلّق المفرط والهوس وتقديس المحبوب والذي قد يقود إلى نتائج غير محمودة.
واشتملت بعض القصص على إسقاطات على واقعنا الأليم كما في قصة « ليلة بالقرب من العراق « ونقطف منها : « كانت الغربان تحيط بنا ولكن ليس لتعلمنا كيف ندفن إخوتنا بل لتحقننا بالحقد كثيراً من الحقد «.
وفي قصته بعنوان « حجر بلا خطيئة « التي تدور أحداثها حول فتاة تُقتل رجماً بالحجارة دون أن تجد من يتعاطف معها أو ينقذها من هذا المصير، نجد شخصية « الحمامة « كمتعاطف وحيد مع تلك الفتاة، وبينما بطلة القصة أنثى لها محددات عمرية وسوى ذلك، جسدت « الحمامة « الأنثى والأنوثة بالمُطلق، وجعلها القاص « تقي « رمزاً للسلام الاجتماعي أي أنه نجح في جعل المرأة تأخذ مكانها كمحور للحدث وكرمز للاحتواء والتفهّمْ والتسامح وأكد أن طرائق التعامل مع المرأة هي مرآة القيمة والموضوعية للرجل ذاته.
و يؤخذ على المجموعة القصصية وجود أخطاء في النحو والإملاء و تأثر القاص بالأيديولوجيا السائدة في بلداننا العربية.
العدد 1110 – 6- 9-2022