يلتقي عدد من الباحثين وأساتذة الجامعات والمثقفين حول طاولة بحث وحوار فتتعدد الموضوعات والقضايا التي يناقشونها لتكون النتيجة متجهة نحو تحديد السبب والمخرج عبر آليات وطرائق تنفيذية ممكنة وفق تحليل المعطيات العلمية بجوانبها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، ليتم وضعها أمام صاحب القرار والسلطة السياسية القادرة على تأطير تلك النتيجة ضمن قوانين وتشريعات واجبة التطبيق والالتزام المطلق فيها.
نظرياً الأمر ليس صعباً فبعد معرفة الإمكانيات المتاحة والقدرات البشرية والاقتصادية المتوفرة يكون التوظيف الدقيق لها ، وهكذا تكون الحلول الموضوعية والمنطقية بعيداً عن الشخصنة والمصالح الذاتية، شريطة استبعاد دور المؤثرات الخارجية أو كبحها والحد منها قدر الإمكان.
وفي حوارات الواقع العربي الراهن، وواقع كل بلد عربي منفرداً تكون الوقائع والمعطيات ذاتها، رغم التباين الكبير من الناحية الشكلية، فرغم وجود بلدان تعاني من مشكلات إرهابية أو اقتصادية ووجود غيرها يعيش بحبوحة اقتصادية ومعاشية كبيرة إلا أن المستقبل بالنسبة لها جميعاً سيكون واحداً ولو بعد فترات متباعدة، ذلك أن المجموعة العربية كانت وما زالت وستبقى تمثل تهديداً مستمراً بالنسبة للغرب كله ومن ضمنه كيان الاحتلال الصهيوني، مهما وقع من اتفاقيات أو أقام علاقات سياسية مع بعض البلدان ، فهذه الاتفاقيات والمعاهدات لا تعدو كونها هدنة مؤقتة أو اتفاق مرحلي سوف ينهار عند ظهور متغيرات داخلية في البلدان العربية ذاتها، إذ يرى المحللون والمتابعون والدارسون أن جميع تلك الاتفاقيات لن تعدو كونها عمليات تجميل وماكياجات لا تلبث أن تسقط وتتلاشى عند أول صدمة تواجهها، فيعود الصراع إلى طبيعته الحقيقية دون عمليات التجميل الكاذبة والخادعة ، وستنكشف أمام العقل الجماهيري العربي تلك الأكاذيب في المستقبل الوردي الناتج عن علاقات محرمة أصلاً، وسيرتد للعقل العربي وعيه المسلوب عبر أكاذيب الليبرالية وحقوق الإنسان وحقوق المثليين وتوزيع الثروة ومفاهيم المشاركة والتشاركية وحقوق الأقليات والحفاظ على ثقافتهم الخاصة.
ولكن كيف سيكون الحال عندها؟
وكيف نعود إلى أصل الصراع الذي لا ينتهي؟
إن سنوات طويلة من العدوان والتعاون والاختلاف والتعاقد ما بين الدول العربية، سواء فيما بينها أو مع الدول الغربية أسهمت في تغيير الكثير من العلاقات فضلاً عن إحداث تغييرات كبيرة في المفاهيم والمبادئ، فما كان سهلاً في التعامل بين الدول العربية غدا صعباً ومعقداً، وما كان مرفوضاً في المواقف الدولية أصبح مسموحاً وربما حميداً ومقبولاً، وما كان جريمة وجناية أصبح بطولة وإنجازاً في بعض الحالات، فما الذي غيرنا؟.
دون أدنى شك، وبشكل حاسم وعلمي، إن ما حصل في فلسطين في العصر الحديث، هو ما ترك تلك الآثار السلبية، من انتشار الإرهاب والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعقائدية على المجتمع العربي كله، وبالتالي فإن توجيه الحل باتجاه فلسطين يشكل البداية الصحيحة للنهوض بالمجتمع العربي واستعادة دوره المأمول في الحضارة العالمية، الأمر الذي يحتاج عملاً مشتركاً صادقاً، يراه البعض صعباً أو مستحيلاً، فيما التطور التاريخي يؤكد أنها حالة مستعادة حتماً، وإن بدا أن المجتمع العربي يعيش تباينات كثيرة حتى في إطار المحافظة الصغيرة أحياناً، فالحالة العربية في طور المرض لكنها لا تصل إلى مرحلة الموت التي يريدها الغرب والصهيونية.