الثورة_ فاتن أحمد دعبول:
احتضن المركز الثقافي” أبو رمانة” معرضا استعاديا لأيقونة البازلت السوري النحات فؤاد أبو عساف، بمناسبة مرور عام على وفاته، ورغم غيابه الحزين فقد استطاعت منحوتاته ورغم صلابة مكوناتها أن تبوح بأسرار من استطاع بثقافته وحرفيته العالية أن يجعلها طوع البنان لتنطق بفكره وفلسفته، وتحكي معالم من بيئته لتكون سفيرته إلى العالمية.
وبينت د. لبانة مشوح وزيرة الثقافة أن المبدع خلق كي لا ينسى، بل سيبقى حيا في الذاكرة البصرية وفي نفوس من أثر بهم فنا وفكرا وأخلاقا، وهذا هو شأن ملك البازلت، وقد استحق اللقب بجدارة، فأعماله بديعة رغم صلابة البازلت، كانت طوعا بين يديه.
وبينت أن المعارض والملتقيات تهدف إلى التعريف بالمبدعين، ورفع الذائقة الفنية لدى الشباب الهواة، هذا إلى جانب الدفع بمسيرة الفن التشكيلي وتطويره.
ورافق المعرض الذي ضم 12 منحوتة وهي بضع من آلاف المنحوتات، ندوة شارك فيها كل من الناقد سعد القاسم والفنان غازي عانا وزوجة الفنان أبو عساف النحاتة نجود الشومري.
وقدمت الإعلامية أمل الشومري للندوة بعبارات استمدتها من سيرة الفنان الراحل وقالت: كل ما نختاره في هذه الحياة يزول، أما الفن فيختاره العظماء ليخلدهم، فالعظماء لا يرحلون، لأنهم يتركون أثرا خالدا في ذاكرة التاريخ، وتجربة الفنان فؤاد تستحق أن تدرس، فقد تمكن من أدواته وأنسن الأشياء، واعتبر أن الفن هو الخير المطلق.
وتوقفت النحاتة نجود الشومري عند محطات من حياة الراحل وصفاته التي تميز بها وعشقه لفنه وللناس، وقالت: كان متمسكا بأحلامه حتى الرمق الأخير، وكان يتمنى أن يمسك إزميله وينحت، ولكن حكايته التي بدأت لم تكتمل، فقد خطفه الموت باكرا، لكنه ترك أثرا سيخلده أمد الدهر.
وأضافت تخاطبه: كنت طائرا يشق السماء بصوت إزميله، والصخر بعرق جبينه، وسيظل بازلت الجنوب يذكرنا مع كل صباح أن فؤاد أبو عساف مر بإزميله من هنا.
ابن بيئته
وبين الفنان غازي عانا أن النحات فؤاد أبو عساف نحات مجرب في احتمالات إدهاش المادة “البازلت” وكيفية تطويعها والإفادة من خصائصها الفيزيائية والجمالية معا بأقصى ما يمكن خدمة للتعبير، مراعيا خصوصية الخامة وإدراكه لخطورة تجاوز حالات إدهاشها من خلال احترام ثقالتها ونبلها، وأيضا ضرورة ارتكاز الكتلة كحجم وقوام نهوضها في الفراغ.
كما كان للنحات أبو عساف الفضل في تأسيس ملتقى السويداء الدولي للنحت، الذي أنجز منه ثلاث دورات متتالية بجهود ومبادرة من دار العوام للنشر.
وأضح بدوره أن” أبو عساف” يتحرك في أكثر من اتجاه لمعالجة موضوعاته، والموزعة بين اهتمامه بالإنسان كأولوية وقيمة عليا في الحياة، وهناك بعض الحيوانات المحببة لديه” الثور، الطير، السمكة، الغزال” وهناك بعض الأعمال يستمد مضمونها من الأدب والحكايات الشعبية والأساطير والميثولوجيا السورية الغنية، وأيضا من بيئته السويداء.
يتمتع بثقافة واسعة ومهنية عالية
كما توقف الناقد سعد القاسم عند أهمية تجربة الفنان فؤاد أبو عساف في المشهد التشكيلي السوري، وبين بداية أن النحت رغم ظهوره بوقت مبكر، إلا أن حضوره كان خجولا قياسا لفن التصوير بشكل خاص لاعتبارات اجتماعية وفكرية مختلفة، لذلك تخلى بعض النحاتين عن النحت لصالح التصوير، نظرا لأن النحت محروم من الدعم والرعاية.
وفي العودة إلى جذور تجربة فؤاد بالنحت فيقول: لقد استمد تجربته من مصادر عدة، وتشكل أحجار السويداء المصدر الأول له، وخصوصا أن فيها منحوتات تاريخية من عهد الرومان والبيزنطيين والفترة الهلنستية، واستطاع أن يكمل مسيرة من سبقه من الفنانين، ووصل ما انقطع من تاريخ النحت في المنطقة.
أما مصدره الثاني فهو ثقافته الواسعة، فقد كانت الثقافة له جزءا من طبيعته، فترجمت في أعماله التي تعد منجزا بصريا يحمل قيمة فكرية أو أدبية وفلسفية.
وشكل تراث النحت السوري مصدره الثالث من ماري إلى تدمر إلى العصر الحديث، يضاف إلى ذلك علاقته الوثيقة بالناس، فلم يكن نحاتا نخبويا، يشبه في ذلك سيد درويش وزياد الرحباني.
وتطورت تجربته النحتية من الاعتماد على موضوع السطح الواحد إلى البعد الثلاثي الأبعاد، وتفوق في” البورتريه” وكانت هناك ميزات ثلاث ساعدت فؤاد ليكون حالة خاصة في النحت السوري، أولها حيويته الهائلة والطاقة المذهلة، فقد أنتج بضعة آلاف من الأعمال النحتية خلال 30 سنة.
كما تميز بخياله الاستثنائي، ويخلق من خلاله علاقات بين كائنات حية أو مادية لا تخطر على البال، هذا إلى جانب ثقافته الواسعة التي ساهمت بخروج النحت من إطار مدينته ليكون حاضرا في 70 دولة بأشكال مختلفة.
والمفارقة أن أكثر أعماله قسوة فيها شيء من روحه الجميلة المحبة، ولطالما كان يقول” الفن هو الخير، لذلك يجب أن يكون جميلا”.