الثورة – عبد الحليم سعود:
هي الذكرى التاسعة والأربعون للملحمة التاريخية المشرِّفة، حرب الكرامة والعنفوان والإرادة الفولاذية الصلبة.. ففي مثل هذا اليوم المجيد عام 1973 انطلق أبناء قواتنا المسلحة الباسلة نحو جولاننا الحبيب لصنع ميلاد جديد وتاريخ جديد للأمة العربية، ففي هذه الحرب المباركة التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد سقط الجيش “الأسطورة” الذي نفخ فيه الإعلام الغربي كثيراً وضخّم صورته، ليتضح أنه مجرد أسطورة من ورق.
فرغم مرور كل هذه السنوات ما تزال حرب تشرين التحريرية تعتبر حدثاً مفصلياً مؤثراً في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني نستخلص منه الدروس والعبر المفيدة، حيث يؤكد الكثير من الخبراء العسكريين الذين عاصروا هذه الحرب وشهدوا انتصاراتها في الجولان وسيناء، أنه لولا توقف القتال على الجبهة المصرية بسبب ثغرة الدفرسوار وقيام الولايات المتحدة الأميركية بتدخل إنقاذي للكيان الصهيوني عن طريق إمداده بجسر جوي من الأسلحة والأعتدة المتطورة والخبرات الفنية وطائرات الاستطلاع الحديثة والطائرات الحربية والمدرعات المتطورة لكان المشروع الصهيوني في منطقتنا قد سقط برمته.
فثمة وثائق نشرها إعلام العدو قبل عدة سنوات تشير إلى أن الصدمة التي أحدثتها حرب تشرين على معنويات الكيان الصهيوني ومجتمعه والتقدم المتسارع للقوات السورية والمصرية على جبهات القتال آنذاك دفعت بوزير الحرب الصهيوني آنذاك موشي دايان إلى اقتراح اللجوء إلى الأسلحة النووية كي ينقذ كيانه من الانهيار والسقوط النهائي، لاسيما بعد أن تحطمت خطوطه الدفاعية في ساعات قليلة من بدء الهجوم وقتل الكثير من أفراده وخسر العشرات من طائراته الحربية الحديثة.
وبالرغم من الأحداث السياسية التي سرقت بعضاً من وهج انتصار حرب تشرين كاتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني، وتخلي معظم العرب عن واجباتهم القومية ودورهم المساند والداعم لسورية والمناصر لقضية الشعب الفلسطيني عبر اللجوء إلى التطبيع المجاني، لم يغادر الكيان الصهيوني مخاوفه المصيرية على مستقبله، بحيث انكب عبثاً على تحسين صورة جيشه المهشمة واستعادة قوة ردعه المفقودة، فاختار جبهة لبنان الرخوة وصب جام غضبه وحقده عليها مستغلاً انشغال معظم اللبنانيين بحروبهم الداخلية المدمرة، وقام بغزو لبنان عام 1982بهدف التعويض عن خسائره المعنوية في حرب تشرين، والانتقام من فصائل المقاومة الفلسطينية التي أنهكت خاصرته الشمالية بأعمالها الفدائية والبطولية النوعية.
لكن محاولاته هذه جاءت بنتائج لم تكن بالحسبان إذ سرعان ما تشكلت في لبنان مقاومة شعبية جديدة برعاية واحتضان من سورية ومساعدة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لتستنزف هذه المقاومة الشريفة والشجاعة على مدى عقدين من الزمن قدرات جيش الاحتلال الإسرائيلي بحرب عصابات ذاق فيها المحتل الغاشم أمرّ الهزائم وخسر الكثير من جنوده وضباطه وعتاده، لتتحطم مرة أخرى قوة ردعه ويعود من حيث أتى إلى داخل الشريط المحتل متخلياً عن طموحاته وأوهامه وتاركا خلفه العملاء والخونة الذين خدموا مشروعه الاستعماري على حساب مصالح وطنهم ودماء شعبهم.
ولأن هزيمة الكيان ماتزال تعيش في أذهان مجتمعه العنصري فهو يحاول محوها بتكرار اعتداءاته على سورية مستغلاً انشغالها في محاربة الإرهابي التكفيري، فهو يعلم جيداً أن الحساب في الجولان المحتل لم يقفل ولن يقفل لأن أهله الشرفاء لم يتخلوا عن هويتهم السورية ولم يفرطوا بحبة من تراب وطنهم الغالي، وهم متمسكون ومؤمنون بالمقاومة فكراً وسلوكاً، ولذلك لجأ الكيان الصهيوني إلى أرشيفه البائد وسحب منه نسخة جديدة من سيناريوهاته الفاشلة في لبنان، واستخدم عصابات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة وشراذم من مرتزقة ومأجورين باعوا ضمائرهم وكرامتهم قبل وطنهم لإنشاء ما يسمى منطقة آمنة تابعة له على تخوم الجولان المحتل، وساعد هذه الكائنات القذرة في احتلال بعض القرى والبلدات على تخوم الجولان المحتل، معتقداً أن هذا السلوك سيوفر له الأمن والاستقرار، وسيبعد عنه شبح المقاومة ونيران وصواريخ المقاومين القادمين إليه في أقرب الآجال، ولكنه أخطأ في رهاناته حيث سقطت هذه الشراذم الإرهابية وولت الأدبار بعد أن لقنها جيشنا الباسل درسا لن تنساه.
لقد أثبتت سنوات الحرب التي شنت على سورية منذ العام 2011 أن روح تشرين العظيمة باقية ولايمكن أن تموت أو تضعف بسبب الحرب والعدوان والحصار، فكل السوريين بكافة مكوناتهم الوطنية تواقون للمعركة الفاصلة مع العدو الأصيل الذي يحتل الأرض ويغتصب الحقوق، وهم ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء فصول هذه الحرب مع وكلائها الأقزام، لأن طعم الموت والاستشهاد وكذلك الانتصار عند تخوم الجولان المحتل وعلى ترابه الطاهر له مذاق مختلف عن كل ما عداه.
السيادة ونعمة الاستقرار

التالي