الملحق الثقافي – حبيب الإبراهيم:
يشكّل الاختلاف في الرأي ،او الاختلاف في الثقافة سواء بين الأفراد ،أو بين الشعوب والأمم ،يشكّل غنىً وتنوعاً ثقافياً وحضارياً ،يساهم بشكل أساسي في تطور المجتمعات ورقيّها وصولاً إلى درجات متقدّمة من التحضر ،هذا الاختلاف لا يمنع من وجود قيم المحبة والتسامح والتآخي ،لذلك قيل :(اختلاف الرأي لا يُفسد ولا يجب أن يُفسد للودّ قضيّة )..
تختلف المجتمعات وتتنوع من حيث الثقافة والانتماء والعقيدة و….هذا التنوع يفترض تقبل الآخر حتى وإن كان هناك اختلاف في الآراء ووجهات النظرحول الكثير من القضايا الخلافية ، إذ ثمة فرق واضح بين الالتزام والتعصب الذي يلغي الآخر أو يقصيه أو يقلل من شأنه أو يحدّ من إمكاناته سواء بالنظرة الدونية أو السخرية أو … ويصل عند الغلاة من المتعصبين والمتطرفين إلى تكفير ومعاداة من ليس معهم في الفكر والثقافة والانتماء ؟؟!!
هذه النظرة ذكرتنا بتصريح الرئيس الأميركي بوش الإبن عندما قال في الحرب التي سماها الحرب ضد ( الإرهاب ) (من ليس معنا فهو ضدنا؟؟!!)
هل هناك تعصب عنصري أكثر من ذلك ؟ ويصدر في بلد يدّعي الحرية و الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، ويشن الحرب تلو الحرب هنا وهناك بذريعة نشر الديمقراطية والحرية وإسقاط الأنظمة الرجعية و الدكتاتورية؟؟!!…كماحدث في أفغانستان والعراق وليبيا ….في سورية تمّ دعم المجموعات الإرهابية المسلحة بالسلاح والمال والإعلام وتبني أجندتها وفكرها وبرامجها ووسائلها الرجعية من تعصب وتطرف ،وسعت بمختلف الوسائل وعملت جاهدة على نشر الفكر الوهابي المتطرف بعيداً عن مبدأ المواطنة وقبول الآخر ،فكانت الحرب الكونية الظالمة على سورية والتي استهدفت البشر والشجر والحجر ،لقد أراد مشغلوها استهداف سورية الوطن والإنسان ،سورية الحضارة والتاريخ،سورية الإرث الثقافي الإنساني ، سورية التنوع الثقافي والاجتماعي ؟؟!!
لكن سورية انتصرت بتنوعها وغناها الثقافي والحضاري والإنساني ودحرت الإرهاب والفكر الظلامي المتطرّف بوحدة شعبها وجيشها وقيادتها ، وكانت مثالاً لنبذ التعصب والتطرف وتكريس ثقافة المواطنة والعدالة الاجتماعية ،ثقافة التسامح والمحبة والسلام …
إن الاختلافات الثقافية بين الأمم والشعوب وحتى بين الأفراد يجب ألّا يكون هناك عامل سلبي ووسيلة لتكريس الفرقة والتناحر ونشر ثقافة البغض و الكراهية وتقسيم المجتمع على أسس عرقية أو طائفية أو مذهبية أو إقليمية وصولاً إلى التفتت والشرذمة والتدمير ..
إنّ قوة أي مجتمع تكمن في تنوعه وتعدد مكوناته والتي يجمعها ويوحدها إطار وطني يعمل على صقل فكرها وثقافتها وحياتها ،وهذا لا يتوافق مع سياسات قوى الهيمنة والاستعمارالعالمية .
وتظهر العنصرية الثقافية أو ما يسمّى بالتنمر الثقافي في أوجه عديدة ومتنوعة مثل استخدام الخطاب الموجه ضد الآخر والتقليل من شأنه والنظرة الدونية لمستواه الثقافي والاجتماعي وتجنيد وسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة لنشر ثقافة الكراهية بين الأفراد والشعوب وتعميق الهوة بينها وصولاً إلى نسف المنظومة الفكرية والثقافية لهذه الثقافة أو تلك .
إنّ الاختلاف الثقافي والفكري أمر طبيعي وفطري، ويمكن توظيفه ويكون عاملاً مهماً وأساسياً للغنى الثقافي والحضاري وتنشئة المجتمع وفق معايير وطنية تأخذ بالحسبان الفروق الفردية والبيئات الاجتماعية المتعددة .
ولا تتوقف مخاطر التنمر الثقافي والعنصرية الثقافية على نشر ثقافة الحقد والكراهية وانتشار اليأس والقلق النفسي والعزلة ،إنما تشمل جوانب اقتصادية واجتماعية أخرى مثل تراجع مستوى الإنتاج وعدم القدرة على التكيف و العمل، تراجع مستوى التعليم ،الشعور بالغبن والظلم من قبل الفئات التي تتعرض لمثل تلك السلوكيات والنظرة الدونية لها اجتماعياً وثقافياً …
أياً يكن شكل التنمر الثقافي والعنصرية الثقافية سواء أكان في اللغة أو الخطاب أو في الصورة فهو دليل على التخلف والتحجر ؟!
الاختلاف في الثقافات والأفكار والأنماط المعاشية والاجتماعية غنى وتطور ، التنمر الثقافي مرفوض …العنصرية جريمة …التطرف جريمة ومخاطرها كارثية ولا تقف عند جيل أو مرحلة زمنية معينة ،إنما ممتدة للاجيال القادمة ،وهدامة لبنية المجتمع الثقافية والاجتماعية .
وحده الوعي المجتمعي …الفكر النّير …قبول الآخر …الدروب الآمنة لنهضة وتطور أي مجتمع ،وعوامل تماسك وقوة لبنيته الاجتماعية والثقافية.
العدد 1116 – 18- 10-2022