أديب مخزوم
تشهد حركتنا التشكيلية السورية كثافة غير مسبوقة بإقامة المعارض الفردية والجماعية، لدرجة أربكت المتابعين والمهتمين، إلا أن هذه الحركة لم تترافق بوجود حركة تسويق للعمل الفني، إلا في حالات استثنائية، كما أن ارتفاع سعر العمل الفني، بسبب غلاء أسعار الألوان والمواد، إلى حدود غير معقولة، جعل العديد من أصحاب المجموعات عندنا تعرض عن الاقتناء حتى إشعار آخر.
لإلقاء أضواء على هذا الموضوع كان لنا وقفات متتالية مع الفنان مصطفى علي (نحات وصاحب صالة تحمل اسمه) والفنان عبد الله أسعد (تشكيلي وأستاذ في كلية الفنون الجميلة) والفنان علي كامل مقوص، والتشكيلية محمدية النعسان (فنانة ودبلوماسية وتحضر رسالة دكتوراه في الفن).
حضور قوي
(الفنان النحات مصطفى علي) قال: أصبح للفن التشكيلي السوري حضور قوي على الصعيد المحلي والعربي والعالمي، رغم كل الظروف المحيطة من حصار وأزمات، فهناك متابعة واهتمام واقتناء، حيث توجه الصالات والفنانون للخارج لتنشيط عملية العرض والاقتناء، وهناك صالات العرض في دبي ومصر، حيث ساعدت أيضاً على دعم الحركة الفنية، إضافة للسوق المحلي، الذي لم يتوقف عن إنتاج العمل الفني.
بوادر جديدة
وقدم(الفنان عبد الله أسعد) مداخلة جاء فيها: أهم مشاكل التشكيل السوري، ألخصها بعدة نقاط من وجهة نظري:
تعثر نشاط التشكيل السوري بين عامي 2011 و 2015، كإغلاق الصالات الفنية وأدى ذلك إلى شلل شبه تام في الحياة التشكيلية، وظهرت اعتباراً من العام 2016 بوادر جديدة، فأعيد فتح معظم الصالات الفنية واستؤنفت المعارض السنوية والمحلية والخاصة، وكان هذا واضحاً من خلال المشاركات الكبيرة للفنانين.
وشهدت سورية نشاطاً فنياً منقطع النظير بين عامي 2016 و 2019 بل كان هناك تطور ملحوظ في مجال تسويق الأعمال الفنية، وأدى إلى تحسن كبير في الوضع المادي للعديد من الفنانين والرغبة الكبيرة للاقتناء، من قبل الطبقة الميسورة التي شعرت بالاستقرار داخل البلد عموماً.
ومع بدء أزمة الكورونا بدأت بالظهور نكسة جديدة من الركود إذ عاود العديد من الفنانين إلى الهجرة، ما أفقد الساحة الفنية والتشكيلية السورية العديد من الأسماء المهمة.
ومن المعلوم أن أول من يتأثر بالأزمات الاقتصادية الكبيرة هو الحقل الفني، والذي يعد من الأمور الكمالية في المجتمعات كافة فنلاحظ الانخفاض الكبير في عدد المعارض الجماعية والفردية الخاصة، والمرتبط بشكل كبير بضعف نسبة الاقتناء للأعمال الفنية، ما أدى إلى إلغاء العديد من المعارض لهذا السبب بشكل رئيسي (وحتى وزارة الثقافة توقفت عن اقتناء الأعمال الفنية في المعارض السنوية، نتيجة شح التمويل الحكومي). واهتم العديد من الفنانين بتسويق أعمالهم خارج القطر، ولقد تعرضوا هناك إلى العديد من عمليات الابتزاز والاحتكار المادي.
اقتناء العمل
الفنان علي كامل مقوص قال: مر أكثر من خمسة وعشرين عاماً على مشاركاتي في المعارض الرسمية المتنوعة وكنا نقدم العمل الفني بكل سهولة لمعارض وزارة الثقافة واتحاد الفنانين، كانت بعض الجهات تقوم باقتناء العمل الفني بشكل دائم ما يشجع الفنان على العمل والاستمرار بالعرض والمشاركة الدائمة، وبعد تراجع اقتناء العمل الفني وصعوبة تأمين ظروف مناسبة لنقل العمل إلى المعارض تراجع النشاط والمشاركات الدائمة في تلك المعارض عند كثير من الفنانين، رغم استمرارية إنتاجهم للعمل الفني.
آفاق واعدة
الفنانة والدبلوماسية (محمدية النعسان) قالت: يتصف التشكيل السوري الحالي بالتميز والغنى، بالرغم من الوضع الاقتصادي الصعب وبرأيي شكل هذا الواقع والمعاناة دافعاً ومصدراً جديداً للإبداع، ولإنتاج أعمال فنية متميزة ومرغوبة كما نشاهد حالياً في المعارض الفنية في صالات الفن التشكيلي بدمشق وهناك آفاق واعدة للفن السوري وهو ما نراه في المشاركات السورية المتميزة في الخارج لكن هناك مشكلة حقيقية بالتسويق للوحة والمنحوتة وبيعها وبالتالي تنشيط الحركة الفنية وتمكين الفنانين من التمتع بحياة كريمة وإنتاج المزيد من الأعمال الفنية.
قد يسهم تنشيط حركة البيع والشراء بين الداخل والخارج في تسويق اللوحة والمنحوتة وإيصالهما إلى العالم بشكل أكبر، وبالتالي تحقيق انتشار أكبر ورفع قيمتها الفنية والمادية، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق الترويج والتسويق للفن السوري عن طريق السفارات السورية في الخارج وعبر وزارة الثقافة ووزارة الخارجية وبعد التشاور معهما، سيكون لذلك تبعات إيجابية ثقافية وسياسية في إطار ما يسمى الدبلوماسية الثقافية.