رغم اعتباره من أولويات التمويل بسعر صرف تمييزي.. أصناف كثيرة من حليب الأطفال غير متوفرة.. والمواطن ينتظر!
الثورة – تحقيق حسن العجيلي – بشرى فوزي:
«ملاحظة هامة».. حليب الأم هو الغذاء الأفضل للرضع، «قبل أن تتخذين قراراً باستعمال حليب الرضّع استشيري الطبيب» هي العبارة التي نقرأها على علب حليب الأطفال ومع ذلك يكون الحليب الصناعي هو الملاذ للطفل في حالات كثيرة وطبعاً إذا تم إيجاده، فحليب الأطفال هو المادة ربما الأكثر فقداً في الصيدليات من زمر دوائية مختلفة.
حالات الاستخدام الصناعي
الدكتورة «لينا وانلي» أخصائية أمراض الأطفال ورئيس شعبة الرعاية في مديرية صحة حلب تؤكد على أن الأطباء ووزارة الصحة في برامجها تشجّع على الإرضاع الوالدي حتى عمر السنتين على الأقل، إلا أن هنالك حالات تتطلب استخدام الحليب الصناعي، والكلام للدكتورة «وانلي». مضيفة بأن هذه الحالات هي وفاة الأم أو نقص وزن الطفل «وهذه الحالة تقدر بحسب حاجة الطفل» إضافة إلى إصابة الأم بمرض مزمن يسبب لها الإنهاك أو هناك أمراض نادرة قد تمنع الأم من الإرضاع وبهذه الحالة يتم اللجوء للحليب الصناعي.
بحث مستمر والتغيير محسوب
وللوقوف على حقيقة الموضوع بحثنا في عدة صيدليات لسبر واقع توفر الحليب في دمشق وحلب، والصيادلة رفضوا ذكر أسمائهم الصريحة «لأسباب تخصّهم» مؤكدين أن أصنافاً كثيرة من الحليب غير متوفرة والمتوفر بكميات قليلة، وأن المواطنين يضطرون لتغيير نوعية الحليب لأطفالهم بحسب المتوفر ومن لا يناسب نوع الحليب ابنه يعود ليأخذ نوعاً آخر.
80 بالمئة من الأنواع مفقودة بحلب وعن هذه النقطة أشارت الدكتورة «وانلي» إلى أن تغيير نوع الحليب الصناعي قد لا يكون ذا تأثير كبير إلا أن هنالك أطفالاً لا يلائمهم نوع الحليب أو لا يستسيغونه، مؤكدة أن التغيير يكون بسبب عدم توافر الحليب مما يضطر الأهل لشراء النوع المتوفر والذي يختلف عن سابقه بالتركيب أحياناً.
الصيادلة: أزمة متكررة كل شهرين
وفيما يتعلق بتوافر الحليب في حلب أكدت الصيدلانية «آلاء» أن معظم أنواع حليب الأطفال غير متوافرة وما يوجد هو أصناف غير معروفة كاسم تجاري ويتم توزيع علبة أو علبتين فقط لكل صيدلية أسبوعياً، منوهة إلى أن السوق فارغ من حليب الأطفال والحصول على صنف يكون بسعر أعلى يتم الحصول عليه من أشخاص يكونوا قد قاموا بتخزينه سابقاً.
وترى الصيدلانية «آلاء» بأن الحالة الراهنة هي عبارة عن حركة تجارية يتم فيها ترويج أصناف غير معروفة ومن ثم يتم توافر الأصناف المعروفة بأسعار أعلى وهذا ما يتم الحديث به في سوق الصيادلة.
ويؤكد حديثها الصيدلاني «عبد الله» مضيفاً بأن حليب الأطفال غير متوافر بشكل عام وما يتوافر أنواع قليلة والأنواع المعروفة وتوصف بأنها جيدة غير متوافرة، مشيراً إلى أن فقدان حليب الأطفال حالة تتكرر أكثر من مرة في العام وبمعدل شهران متوفر وشهر غير متوافر وأن هذه الحالة مستمرة منذ عامين.
وبخلاف رأي الدكتورة «وانلي» يرى الصيدلاني «عبد الله» بأن تغيير نوع الحليب قد يسبب للطفل مشاكل صحية وخاصة الأمراض المعوية الإسهال أو الإمساك، في حين يوافق زميلته الصيدلانية «آلاء» حول ارتفاع الأسعار حيث ارتفع سعر حليب بيومين من 19800 إلى 25 ألف ليرة، وحليب بري بيوميل للأطفال الخدّج الذي يبلغ سعره 36800 ليرة، مضيفاً بأن استهلاك الأطفال من الحليب الصناعي ضروري خاصة لمن يفقد أمه أو لأسباب مختلفة.
إسوة بالخبز
تبدأ رحلة البحث عن حليب الأطفال في فترات انقطاعه وهي فترات متكررة خلال عمر الطفل الذي يحتاج فيه إلى التغذية بالحليب.
تقول السيدة «سحر مصري»: إن تأمين الحليب يعتبر أزمة فعمر ابني ستة أشهر ونصف واضطررت لإعطائه الحليب الصناعي وخلال هذه الفترة قمنا بتبديل نوع الحليب ثلاثة مرات بسبب فقدان الحليب من الصيدليات، مؤكدة أنها وعائلتها وحتى الأصدقاء يبدؤون رحلة بحث في صيدليات حلب بحثاً عن النوع المطلوب، متسائلة لماذا لا يتم تأمينه بشكل مستمر وهو الغذاء الوحيد للأطفال خاصة بعمر دون الستة أشهر، مؤكدة أن في غذاء الأطفال أزمة مستترة قد لا يشعر بها الجميع إلا أنها أزمة كبيرة تحتاج علاجاً جذرياً.
ويؤكد «عبد الهادي طبشو» أن البحث عن علبة حليب يشكل هاجساً دائماً له في ظل هذا الواقع إضافة إلى ارتفاع سعره فترة تلو فترة، ويضيف: لماذا لا يتم دعم الحليب كمنتج أساسي وغذاء رئيسي للأطفال، وكيف تقبل الجهات الحكومية أن تترك هذا المصدر الرئيسي لغذاء الأطفال بيد التجار ودوامة الاستيراد، مطالباً بضرورة تأمينه باستمرار ودعمه أسوة بالخبز لأن الحليب من وجهة نظره « خبز الأطفال «.
الاستيراد وصعوباته
مصدر في فرع حلب لنقابة الصيادلة رفض الإفصاح عن اسمه أكد أن 80 بالمئة من أنواع حليب الأطفال مفقودة في صيدليات حلب، ورأى المصدر أن المشكلة ربما تتعلق بالاستيراد والصعوبات التي تواجه المستوردين بتأمين القطع أو بإجراءات توصيل الشحنات في ظل الإجراءات القسرية، مؤكداً أن الموضوع لا يتعلق بالاحتكار.
الصحة: إجراءات الاستيراد
وبالتواصل مع وزارة الصحة أوضحت الدكتورة «رزان سلوطة» معاون وزير الصحة أن سبب قلة توافر عدد من أصناف حليب الأطفال في بعض الصيدليات بسبب إجراءات الاستيراد والصعوبات المصرفية بفعل العقوبات القسرية أحادية الجانب، مؤكدة أنه يوجد بعض الشحنات من حليب الأطفال قيد الوصول.
وأضافت الدكتورة «سلوطة» بأن لجان ٢٩/ت في مديريات الصحة وهي لجان مشتركة في وزارة الصحة ومديريات الصحة ونقابة الصيادلة تقوم بجولات على الصيدليات لمتابعة توافر الحليب والأدوية بشكل عام، كما تقوم وزارة الصحة بالوقت الراهن بترخيص معامل لتصنيع وتعبئة الحليب بهدف سرعة واستمرار توافر المادة.
العرض والطلب
مدير مؤسسة التجارة الخارجية «شادي جوهرة» بيّن أن حليب الأطفال يؤمّن استيراداً عن طريق القطاع الخاص بموجب وكالات مسجّلة أصولاً لدى الجهات المعنية علماً أن مادة حليب الأطفال الرضّع تعامل معاملة المواد الدوائية لجهة كون الشركة مسجّلة والمستحضر مسجّل لدى وزارة الصحة وبالتالي فإن تقدير احتياجات السوق المحلية يعود لحالة العرض والطلب بالسوق مع التنويه إلى أن الكميات المورّدة في نهاية الأسبوع الماضي تكفي حاجة السوق المحلية تقديرياً لنحو شهرين مع وجود شحنات أخرى ستصل تباعاً.
عادات استهلاكية
ويضيف «جوهرة»: إن لمادة حليب الأطفال الرضّع معادلات مختلفة تتناسب مع كل طفل ولكن أحياناً قد يتجه الذوق الاستهلاكي العام لأنواع معيّنة رغم وجود بدائل أخرى متوافرة في السوق المحلية ويعود ذلك لنمط العادات الاستهلاكية في المجتمع السوري علماً أن مادة حليب الأطفال الرضّع تعتبر مادة ذات أولوية بالتمويل لدى المصارف العاملة وبسعر صرف صادر عن مصرف سورية المركزي وبالتالي فهي بسعر صرف تمييزي كونها تمس حياة المواطن.
من أولويات التمويل
وفيما يتعلق بإجراءات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية قال «جوهرة»: إن الإجراءات تتلخص في تسهيل عمليات منح إجازات الاستيراد لكافة المستوردين للمادة وبسقوف مفتوحة سواء للكميات أو القيم وبالتالي فإن هذه الإجراءات تتكامل مع دور مصرف سورية المركزي في اعتبار المادة المذكورة من أولويات التمويل وبسعر صرف تمييزي لضمان توافرها بشكل دائم دون حصول انقطاعات واختناقات في سلاسل التوريد والتي تُعزى في معظم الأحيان لواقع العقوبات المفروضة على عمليات تحويل الأموال وخطوط النقل والشحن باعتبارها مدرجة على لوائح العقوبات وبالتالي فإن هدف هذه العقوبات هو زيادة معاناة الشعب السوري بشكل أساسي.
وكشف «جوهرة» أن عدد إجازات الاستيراد الممنوحة لمادة حليب الأطفال لعام 2022 17 إجازة لغاية 25/10/2022 ، وآخر إجازة تم منحها بتاريخ 28/9/2022.
ضرورة توفيره بشكل مستمر
ومع تأكيد وزارة الاقتصاد عن وصول شحنات من الحليب إلى مرفأ اللاذقية فإن حليب الأطفال « الأنواع المفقودة « مازال غير متوفر ومرجع ذلك بحسب المعلومات المتوافرة لإجراءات التخليص وحلقات التوزيع، مجددين التأكيد بأنه وبحسب تصريح وزارة الاقتصاد فإن الشحنة تكفي شهرين والمطلوب شحنات أكبر وبتواتر مستمر دون أي انقطاع للانتهاء من هذه المعاناة.
معادلة أخيرة
خلاصة الحديث ولكي نشخّص الواقع بشكل علمي وعملي فإن توفر حليب الأطفال معادلة جوابها وجود أزمات متلاحقة بحليب الأطفال الرضّع حيث أن واقع الحال في الصيدليات يكشف هذه الحقيقة، وبالنسبة لوزارة الصحة فلا ندري مخرجات جولات لجان29/ت، أما وزارة الاقتصاد فمن جوابها أن الشحنة تكفي لشهرين فإن هذا يطرح هنا سؤالاً ماذا بعد الشهرين؟ خاصة في ظل الإجراءات القسرية ولماذا لا يتم استيراد كميات أكبر، ففي حين تعتبره نمطاً استهلاكياً يراه أولياء أمور الأطفال خبزاً لأبنائهم الرضّع .. وهو فعلاً كذلك مؤكدين على توفيره وحتى دعمه لناحية التسعير.