الثورة – ثناء أبودقن :
في لحظة واحدة، قد تتحول حياة الأهل إلى جحيم لا ينتهي، حينما يُختطف أحد أحبائهم، وتغيب تلك الوجوه المألوفة التي كانت مصدراً للأمان والطمأنينة.

الخطف ليس مجرد فعل انتهاك لحرمة الفرد، بل هو جرح عميق في قلوب الأسر التي تعيش أياماً ثقيلة، ومريرة، تنتظر فيها في كل لحظة بشارة بالأمل، أو نعياً مؤلماً.
في ظروف عبثية يصبح الخطف كابوساً يلاحق العائلات، ويسلبهم الراحة، ويزيد الألم مع تضخم الأخبار على وسائل الإعلام، فتختلط الحقيقة بالخيال، وتضيع البوصلة بين الأمل والواقع المرير.
وقد شهدت سوريا منذ بداية عام 2025 العديد من حالات الخطف التي أثارت قلقاً واسعاً داخل المجتمع السوري.
ولكن، في خضم هذه الأحداث المأساوية، تعرضت المعلومات المتعلقة بتلك الحوادث إلى عمليات تضليل إعلامي منظمة عبر منصات إعلامية محلية ودولية.
تضمنت هذه الحملة نشر معلومات مغلوطة، ترويج شائعات، والتلاعب بالحقائق بهدف تحقيق أجندات سياسية أو نشر نزاعات طائفية أو إحداث بلبلة مجتمعية .
حالات خطف مزعومة
– الناشطة ليلى (من الغوطة الشرقية): انتشرت في بعض وسائل الإعلام في 2025 أخبار تدعي أن الناشطة “ليلى” (التي كانت تعمل في مجال الإغاثة وتوثيق الانتهاكات) قد تم اختطافها ولكن تبين لاحقاً أنها خارج المنطقة فقط لاغير.

– قضية مريم: انتشرت تقارير على منصات التواصل الاجتماعي تزعم أن الطفلة مريم قد تم اختطافها من قبل مجهولين، هذه التقارير أثارت موجة من الغضب والاستنكار على مستوى واسع.
ومع مرور الوقت، تبين أن الطفلة لم تكن قد اختطفت بل تاهت عن والدتها.
ما وراء الحقيقة المزعومة وفي هذا السياق، وفي بيانٍ صحفي حديث، كشفت وزارة الداخلية السورية نتائج تحقيقاتها حول شائعات اختطاف النساء والفتيات التي انتشرت في العديد من وسائل التواصل الاجتماعي في محافظات الساحل السوري، مثل: حمص وحماة واللاذقية وطرطوس.
وفي الوقت الذي أثارت فيه هذه الشائعات القلق والخوف بين السكان، تبين أن 41 حالة من أصل 42 تم تداولها لم تكن حالات اختطاف حقيقية.
وفقاً للتحقيقات الأمنية، تبين أن معظم الحالات التي تم الإبلاغ عنها لم تكن اختطافاً متعمداً، فقد تم تصنيف الحالات كما يلي:
12 حالة هروب طوعي: هؤلاء النساء والفتيات تركن عائلاتهن مع شريك عاطفي، و9 حالات تغيب مؤقت، وهي حالات كانت ببساطة تغيبات قصيرة، حيث اختفت الفتيات لفترات قصيرة في أماكن مختلفة عند أقارب أو أصدقاء، بينما تبين أن هناك 6حالات هروب من العنف الأسري، فهناك بعض النساء والفتيات اضطررن للهروب من بيئات أسرية غير آمنة بسبب العنف.
ووجد 4 حالات تورط في الدعارة أو الابتزاز ففي هذه الحالات تم فيها توريط النساء في أعمال غير قانونية أو ممارسات تستغلهن لأغراض مشبوهة.
في حين كان هناك 6 حالات ادعاء كاذب وتبين أنها حالات كانت مجرد شائعات تم نشرها عمداً على وسائل التواصل الاجتماعي دون أساس من الصحة.
وخلص التقرير إلى أن من بين كل حالات الخطف المزعوم حالة اختطاف واحدة فقط لاغير.
أهمية كشف التضليل
بعد فحص الحالات المزعومة، تبين أن هناك حالة اختطاف واحدة فقط من بين الـ 42 حالة، وتمكنت الأجهزة الأمنية من إعادتها لذويها.
تكشف هذه التحقيقات أهمية دور ملاحقة ومتابعة هذه الحالات لبيان صحة الشائعات وكشف الحقائق، إذ تُظهر الحملة الإعلامية حول حوادث الاختطاف في سوريا كيف يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تُضخم الأخبار وتثير الذعر، حتى في غياب الأدلة الواضحة.

التضليل
تتعدد أساليب التضليل الإعلامي التي تم استخدامها في حالات الخطف في سوريا خلال عام 2025، وفي هذا المجال تحدثت ندى الساعي أستاذة في كلية الإعلام : إن من أهم أنواع التضليل الاعلامي ترويج معلومات مغلوطة ونشر معلومات غير دقيقة أو مفبركة حول هوية الخاطفين أو نشر أسباب وهمية وراء عمليات الخطف، في بعض الحالات نشرت صفات للخاطفين بأنهم ينتمون إلى أطراف معينة، مثل جماعات المعارضة أو القوات الحكومية، عن اختطاف أفراد من عائلات معينة أو جماعات دينية، ما خلق حالة من الذعر بين سكان المنطقة.
أو الاستفادة من الحالات الإنسانية حيث تم استخدام قصص الخطف للتأثير على الرأي العام المحلي و الدولي، وخاصة في الدول الغربية، من خلال الإشارة إلى أن الضحايا هم من الأقليات الدينية أو الطائفية.
والتركيز على جهة معينة، وفي حالات أخرى، تم التركيز على جماعة أو جهة معينة باعتبارها المسؤولة عن الخطف بهدف تبرير عمليات عسكرية أو سياسية.
وبينت أن نشر الشائعات قد استخدمت بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تم تداول أخبار تهدف إلى تشويه صورة الدولة السورية، ونشر الشائعات التي استخدمت بشكل واسع وكبير.
إضافة إلى فقدان الثقة في الإعلام حيث نجد أن من بين أبرز نتائج التضليل الإعلامي هو تراجع الثقة في وسائل الإعلام، حيث أصبح السوريون أكثر تشككاً في المعلومات التي يتلقونها، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو منصّات التواصل الاجتماعي.
تفشي الذعر
تسببت ظاهرة التضليل الإعلامي حول حالات الخطف في سوريا الى تأثيرات سلبية على المجتمع السوري ومن الجانب النفسي أشارت الدكتورة صفاء جنبلاط اخصائية علم النفس والعلاج النفسي: إلى أنّ التضليل الإعلامي لا يترك أثره فقط على المستوى الاجتماعي والسياسي، بل يمتد ليصيب البنية النفسية للأفراد والمجتمع ككل.
فانتشار الأخبار الكاذبة والمبالغ فيها يولّد حالة جماعية من القلق المزمن والشعور بعدم الأمان، ويؤدي إلى استثارة مستمرة للجهاز العصبي في ظلّ ترقب دائم للخطر.
ومع الوقت، تتحول هذه الحالة إلى توتر نفسي عام، واضطرابات في النوم، وصعوبة في التركيز، وتراجع في الإحساس بالثقة بالآخرين.
كما يسهم هذا التضليل في تعزيز مشاعر العجز وفقدان السيطرة لدى الأفراد، إذ يشعر المواطن بأن ما يحيط به غامض ومخيف، وأنه لا يستطيع التمييز بين الحقيقة والوهم.
وهذا ما يرفع من معدلات الاكتئاب واضطرابات القلق، خاصة في المجتمعات التي تعيش أصلاً تحت وطأة الحرب والصدمات المستمرة ،وتضيف جنبلاط أن الأطفال والمراهقين هم الفئة الأكثر هشاشة أمام هذا النوع من المعلومات، إذ قد يطورون مخاوف غير واقعية وسلوكيات تجنبية، ويصبحون أكثر عرضة لتبني نظرة سلبية عن المجتمع والعالم.
لذلك، شدّدت على ضرورة تفعيل الوعي الإعلامي والنفسي لدى الأفراد، وتعليم مهارات التمييز بين المصادر الموثوقة والمضللة، إضافة إلى تقديم دعم نفسي مجتمعي يهدف إلى إعادة بناء الشعور بالأمان والثقة بعد موجات التضليل والخوف الجماعي.
تسلط هذه الحوادث الضوء على ضرورة التأكد من صحة الأخبار قبل نشرها، خاصة عندما تتعلق بقضايا حساسة مثل الخطف.
في وقت الحروب والنزاعات والمراحل الانتقالية، تصبح الشائعات جزءاً من الصراع الإعلامي، ما يتطلب تحري الدقة والمسؤولية من جميع الأطراف لتفادي نشر الفوضى وإلحاق الأذى بالمدنيين.