الثورة – ناديا سعود:
في مشهد غير مألوف داخل المؤسسات الرسمية، أثارت جولة مفاجئة لوزير الصحة الدكتور مصعب العلي داخل مستشفى دمشق (المجتهد) تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن وثّقت عدسات الحاضرين لحظة اعتذاره العلني لمرافقة إحدى المريضات أثناء تفقده أقسام المستشفى.
الوزير العلي، يرافقه مدير صحة دمشق، قام بجولة مفاجئة شملت أقسام الأشعة والإسعاف والإنعاش والمتابعة، في خطوة وُصفت بأنها محاولة للوقوف ميدانياً على واقع الخدمات الصحية وجودتها.
وخلال الجولة، وجّه العلي ملاحظات مباشرة للكوادر الإدارية حول أهمية تحسين شروط النظافة وتسريع الاستجابة في قسم الطوارئ، مؤكداً أن “الميدان هو المكان الذي تُقاس فيه كفاءة العمل الصحي، لا المكاتب”.
لكن ما جعل الزيارة محط اهتمام شعبي هو موقف إنساني غير مسبوق، حين اعتذر الوزير لمرافقة إحدى المريضات بعد أن لاحظ تأخر الكادر في التعامل مع حالتها، قائلاً — بحسب الفيديوهات المتداولة — “نحن هنا لخدمتكم قبل أن نحاسب المقصرين”.

تفاعل واسع
الواقعة، التي بدأت تنتشر منذ صباح اليوم، حصدت ما بين 10 و15 تغريدة رئيسية على منصات “إكس” و“فيسبوك”، بإجمالي تجاوز 170 إعجاباً و20 ألف مشاهدة حتى منتصف اليوم، وفق بيانات أولية للرصد الرقمي.
ورغم أن التفاعل بقي محدوداً، إلا أنه لفت الأنظار إلى نبرة جديدة في الخطاب الرسمي، تقوم على التقرب من المواطن والتفاعل الإنساني المباشر.
المتابعون انقسموا بين من رأى في تصرف الوزير “نموذجاً لتواضع السلطة الجديدة”، ومن اعتبره “رسالة رمزية في زمن يحتاج إلى إصلاحات هيكلية لا رمزية”.
سياق ما بعد الأزمة
تأتي هذه الجولة بعد يوم واحد من حادثة أثارت غضباً عاماً في مستشفى المواساة بدمشق، حيث تم تداول صور لمريض تُرك خارج قسم الإسعاف، ما اعتبره كثيرون مثالاً على سوء الإدارة الصحية.
ويرى محللون أن تصرف العلي يمثل محاولة لتصحيح الصورة العامة للمؤسسات الصحية الحكومية، وإعادة بناء الثقة مع المواطنين بعد سنوات من الشكاوى المتكررة حول الفساد وسوء الخدمات.
نافذة حقيقة
رئيس منطقة دمشق الصحية في مديرية صحة القنيطرة، الدكتور بسام حمدان، قال في حديثه لصحيفة الثورة إن هذه الزيارات ليست مجرد تفقد إداري، بل نافذة حقيقية لفهم أوجاع الناس من داخل غرف المستشفيات ولمعرفة من يستحق الثقة ضمن الكادر الصحي.
وأضاف: نحن بأمس الحاجة إلى ترميم العلاقة بين المواطن والمؤسسة، وإعادة الاحترام الذي يجب أن يقوم عليه العمل الصحي، سواء من المريض أم من الطبيب.
وأشار الدكتور حمدان إلى أن الوزارة بدأت فعلاً بخطوات عملية في هذا الاتجاه، إذ لم يعد المكان الوظيفي يُمنح بالمحسوبية، بل بالكفاءة، مؤكداً أن كل عنصر غير مؤهل أو مقصر في عمله يُستبعد فوراً، لأن المرحلة تتطلب مسؤولية لا مجاملة.
وختم بالقول: هذه الزيارات الميدانية تعطي فرصة حقيقية للكوادر لطرح أفكارهم أمام الوزير مباشرة، وهي تعكس توجهاً جديداً في الإدارة الصحية، عنوانه الشفافية والاحترام والمساءلة.
في بلد أنهكته الأزمات، قد لا يكون مشهد بسيط كمرافقة مريضة أكثر من لفتة رمزية — لكنه بالنسبة لكثيرين، بداية جديدة لثقافة مساءلة وتواضع طال انتظارها في مؤسسات الدولة.