ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
لا يستطيع الأردن ولا غيره أن يواصل تغطية السماوات بالقبوات، ولا أن يمضي في اجترار خطاب مماحكة سياسية لا معنى له ولا صدى يمكن أن يتركه سوى التسويف والمماطلة،
ونحن على أبواب فصل يكاد يتكرر في اليوم الواحد عشرات المرات، لكنه في كل مرة يبحث عن ذريعة مختلفة وعن تلوّن جديد يبرر ذلك الاجترار، ويسوّغ الشبهة والتهمة والقرينة ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
المناورات العسكرية الأميركية والغربية ليست ترفاً تمارسه القوى الغربية، ولا هو مجرّد رسائل سياسية تتجاهل ما يترتب عليها من خطابات عسكرية مباشرة وغير مباشرة، خصوصاً حين تكون ترجمة لسلوك يعكس الرغبة في تطوير منهج التعاطي مع التطورات، أو رداً على غياب البدائل السياسية، أو محاولة للتغطية على استعصاء في المشاريع المعدّة سياسياً ولوجستياً.
ولا يمكن للأردن أن يحتفظ بازدواجية في التسويق السياسي والإعلامي، ولا أن يبقى أسير أحجية من الادعاءات الجوفاء بوابل الضغوط السياسية التي تُمارس عليه من الغرب والأعراب في الآن ذاته، حيث لا أحد بمقدوره تجاهل سعي صاحب القرار الأردني بأن يحتفظ بدوره الوظيفي القائم منذ أن حضر على الخرائط السياسية بعد سايكس بيكو، ولا أحد يستطيع أن يبرِّئ ساحته مما يجري خلف الكواليس وأحياناً أمامها.
فالرئيس أوباما لا يتصل لأن العلاقة الأُسرية تقتضي المواظبة على صلة الرحم!! ولا لأن القوة الأردنية ودورها على المسرح العالمي تفرض التشاور!! بقدر ما هو تعبير واضح وصريح عن مضمون التعليمات الجديدة التي تفرضها الحسابات الأميركية وأبعاد المرابطة الأميركية الدائمة في الأردن.
وأميركا ليست في حالة ترفٍ سياسي وبحبوحة دبلوماسية، ولا تمتلك فائضاً من الكرم العسكري والسياسي والأخلاقي حتى تتفرّغ لتدريب القوات الأردنية بقدر ما تحاكي من خلالها وجوداً استخباراتياً واقتراباً من المناطق المحظورة وتجاوزاً للخطوط الحمر المعتادة في المقاربات الأميركية.
المفارقة، أن التبرير أو المسوّغ تبدو الحجّة فيه أقبح من الذنب ذاته، حيث المقاربة الأميركية للمناورات تتناقض تماماً مع السياق التبريري الذي يقدمه الأردن، وحجم الوجود العسكري داخلها يرجِّح كفة المنحى العدائي الذي تنحو واشنطن باتجاهه، والرسائل السياسية وعصا التلويح بالعسكرة والعدوان تتعارض بالمطلق مع الخطاب الأردني.
نحن لا نصدِّق أميركا ولا نعوِّل على خطابها ولا نأخذ بما فيه.. فهل للقرار الأردني أن يفصح لنا عن موقفه من ذلك الخطاب ومضمونه، وحيال ما يسوِّقه الأميركي من أهداف وغايات وما يلوِّح به صباح مساء، وهل للأردن أن يقول لنا لماذا ترابط القوات الأميركية تحت حجّة المناورات منذ سنتين ونيّف على أراضيه، وماذا تفعل تلك القوات في المعسكرات المنتشرة في أكثر من بقعة داخل الأرض الأردنية، وهل للأردن أن يخبرنا عن هويّة المتدربين ومن ثم وجهتهم التالية بعد تلك التدريبات، وهل له أن يقول للأردنيين تحت أي قانون أو تشريع يتم افتتاح تلك المعسكرات ومن شرَّع وجودها؟؟
لا ننتظر الإجابة، ولا نعوِّل على الأردن الغارق في حساب فرق المعادلات الدولية، لكن الكلام هنا من باب الحرص على الشعب الأردني مما يمارسه نظامه السياسي ومما يتم تحضيره في الكنف الملكي وما تشهده قاعات عرشه من صكوك الحسابات والمعادلات الخطرة.
يكاد الشعور بالشفقة أن يكون الوحيد المشروع حيال الخطاب التبريري الأردني للمناورات، سواء ما تعلق منها بالأسباب أم بالغايات والأهداف المُعلنة أو غير المُعلنة.
فليس من الصعب دحض كل الذرائع التي تقف خلف إجراء المناورات الأميركية والغربية وبعض العربية في الأردن بدليل أن الأسباب تبدو واهية وعبثية ولا معنى لها في السياسة ولا في العسكرة، حيث الغايات والأهداف التي تتبجَّح بها الأطراف المشاركة أو المستضيفة لها تُعاكس كل الادعاءات وتخالف المنطق من أوله حتى آخره، والأهم أنها كمشروع عدواني يحمل في طيّاته شرارات الاشتعال وأعواد الثقاب المتنقلة يطول الأردن قبل غيره.
نجزم بأن الأردن سمع عن الجبهة الجنوبية التي تصدّرت اهتمامات الدوائر السياسية والإعلامية والدبلوماسية والعسكرية الغربية ونجزم أن ما لديه يفوق ما لدى غيره، وكيف تحولت اتجاهاتها، وما لديه يقتضي أن يدفعه للتبصُّر في مصيرها والتداعيات التي تحملها، ففيها ما يكفي لإعادة النظر أو للكفّ عن دفن الرأس في الرمل الأردني الذي يموج غضباً حين تطأ أقدام الجنود الأميركيين وغيرهم بعض كثبانه!!!
a.ka667@yahoo.com