الثورة_ فاتن دعبول:
أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب وبالتعاون مع الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين” الأمانة العامة” ندوة بمشاركة الأديب والإعلامي أنور رجا أمين السر في المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي أضاء على رواية” كي لا تبقى وحيدا” للروائي د. حسن حميد، وأدار الحوار الإعلامي ملهم الصالح.
ورواية” كي لا تبقى وحيدا” للأديب حسن حميد، توثق ما جرى في سورية أثناء الحرب العدوانية عليها، ويمكن الرجوع إليها كوثيقة تاريخية، يجد فيها القارىء شيئا من الأحداث الدامية التي مرت بها سورية، وهي رواية حرب مفعمة بالمشاعر السامية وغنية بعلاقاتها الإنسانية أيضا.
وهي تتناول ما دونه “البطل نزار باشقة” المقاتل في الصفوف الأمامية في تدمر، حيث وثق ما جرى له ولرفاقه في الجبهة، وكيف واجهوا الإرهابيين الذين دمروا وخربوا وقتلوا وعاثوا الخراب في كل مكان، لكنهم بصمودهم استطاعوا تحرير المدينة العريقة “مدينة زنوبيا”.
موعد مع البطولة والشهادة:
وتوقف رجا عند محطات في الرواية ورأى فيها أنها جزء من تشكيل الرأي والوعي والارتقاء بالنفس التي تحلق في عملية صياغة المفاهيم والرؤى والأحاسيس.
وبين أن الرواية هي عبارة عن مجموعة قصص لشخصيات جمعها مكان واحد وأمل واحد وبيئة واحدة، والقاسم المشترك فيما بينهم هو الخطر المحدق بهم أولا ومن ثم اتفاقهم على الدفاع عن وطنهم عبر بواباته في غير مكان من جهة أخرى، فهم جميعا على موعد مع البطولة والشهادة والحياة.
وفي هذه الرواية، لا مكان للسياسة، ولا مكان للخطابات والبطولات المصطنعة، فبالرغم من عدم اعتياد هؤلاء الرجال على تلك المناطق الموحشة، وقد أكل الخوف قلوبهم، والقلق والرعب هيمن على تحركاتهم كلما هبط وحش الصحراء “الليل القاتم السواد” والموت يحدق بهم من كل جانب، فإنهم كانوا يحولون هذا الرعب إلى نوع من المرح والحب، ويؤنسون الصحراء، فيزرعون فيها الورد والقمح ليخلقوا حياة جديدة فيها الكثير من الأمل وربما القليل من الحب والتطلع إلى النجاة.
مشهديات سينمائية:
وبين رجا أن أهمية هذه الرواية أنها قدمت لنا شخصيات البيئة كما هم، فمنهم من يخدم في الجيش، ومنهم من تطوع، والبعض ليعيل عائلته، لكن الحرب صنعت منهم أجمل العشاق وأقوى الرجال، وعلى الطرف الآخر فالرواية تصور أوجاع قلوب الأمهات ولهفة الحبيبات، وعذابات الفقد والحرمان، فقد استطاع الكاتب أن يربط بين قصص الحب والعشق التي نشطت بسبب الحرب، فمنهم من استشهد ومنهم من فُقد ومنهم تناثرت أشلاؤه، فالكل أكلت الحرب أرواحهم، ومع ذلك كانوا يواجهون الموت ليصنعوا الحياة.
وأضاف: أن الرواية عبارة عن مشهديات سينمائية، تقدم جماليات الروح والحياة والحرب والانتصار، فتعدد الشخصيات في مكان واحد، والذهاب إلى أماكن مختلفة عبر التداعيات، يجعلنا ندخل بيوت سورية وفي المحافظات جميعها، فالرواية تقرأ ليس بتقنياتها، بل ببعدها النفسي وبالواقعية السحرية، وأنا متعاطف مع شخصيات الرواية لأنها تشبهنا.
أما العنوان فلا يمكن أن نستخلصه من الرواية، بل جاء في جملة في السطر الأخير منها، ويدلل على حاجة المقاتل إلى روح المقاتل الآخر، والعنوان يذهب أبعد من ذلك، فكي لا يبقى وحيدا نحن بحاجة إلى قلوب رديفة، ومشاعر رديفة، وأحاسيس رديفة أيضا.
وثيقة للتاريخ:
ويعترف حميد على لسان أحد أبطاله بالقول “إنني ما وددت كتابة شيء عن الحرب، لأنها الحرب، وكل ما سيكتب عنها هو معروف، لكني وافقت خاطري أن أكتب عن رفاقي كي أحفظهم من الموت، لأني بت أراهم طيورا تهم بالفرار من أمامي لتغيب عني في هذه اللحظة، أو بعد قليل، نخدع الموت وأشكاله، لكي نقول له جملتنا الذهبية “إننا نحب الحياة”
و بين حميد أن كل كتابة عنده هي نوع من المخاض غير العادي من أجل أن يقدم ما يهم الناس ويفرحهم، ومن أجل أن ينسى الناس البكاء، فالأدب يخلد اللحظات، لأن الحرب لابد أن تنتهي، ويبقى الأدب خالدا يحفظ البطولات، ويؤرخ للأحداث.
وقال: الحديث عن الرواية يطول، فالشخصيات ماتزال تعيش في داخلي، وأحزن لمن فقدتهم، وأبكي كلما تذكرت أناسا عشت معها، لأنني لم أعطهم حقهم من المحبة، فنحن أهل سورية ندين لانتصاراتنا التي سنرفع شأنها جيلا بعد جيل لهذه القيادات وهؤلاء الشهداء والأبطال، وتلك الأمهات اللواتي لم يشبعن من رؤية أبنائهن، الذين ذهبوا ليصنعوا حياة آمنة في صحراء لا أحد يعيش فيها، إنهن من كتب النصر.
ولفت بدوره إلى دور مدينة دير الزور عبر التاريخ وموقعها الحضاري الهام، فهي نقطة البداية في سورية، البداية الحقيقية للفرح.
وختم بالقول: إن الفلسطينيين لو عاشوا ألف سنة وهم يكتبون ويروون عما قدمته سورية لفلسطين، لما وفوها هذه المكرمات الكبيرة التي قدمها أهل سورية، فلا يوجد في سورية بيت إلا فيه شهيد وأكثر من أجل فلسطين.
السابق