المكان ذاكرة  الحياة ونسغ  الابداع الروائي

الثورة – يمن سليمان عباس:

لا يمكن للمرء أن يعيش خارج المكان، وكما أن المكان الذي نهندسه يعود ليشكل حياتنا من جديد, يعمل أيضاً على أن يكون رحماً ما بين الحيوات كلها, من هنا التفتت الدراسات النقدية الحديثة إلى أهمية المكان, وإذا كان مثلاً الأدب الفرنسي الذي درسناه يتتبع خطا ورحلات إعلامه المشاهير بودلير وغيره فحري بنا أن نتتبع أيضاً الكثير من أماكن وقائع روايات مبدعينا, وقبل ذلك لنعرج على كتاب مهم صدر عن دار التكوين يتحدث عن شعرية المكان إذ كما يقول الناشر (نفسحُ هذه القراءة من مبدأ أنَّ المكان، عموماً، ليس عاملاً طارئاً في حياة الكائن الإنساني، وإنما معطى سيميوطيقي؛ فالمكان لا يتوقّف حضوره على المستوى الحسي، وإنما يتغلغل عميقاً في الكائن الإنساني، حافراً مسارات وأخاديد غائرة في مستويات الذات المختلفة، ليصبح جزءاً صميمياً منها؛ وذلك لأنَّ المكان هو الفسحة/ الحيِّز الذي يحتضن عمليات التفاعل بين الأنا والعالم. من خلاله نتكلّم وعبره نرى العالم ونحكم على الآخر. إنه الشيفرة التي نتحصّن بها في مواجهة الآخر، ومن هنا، يفترض تحليلاً وتأويلاً، لكي يتحقَّق التواصل مع الآخر ويتواصل – هو – في الوقت ذاته معنا. فمن دون معرفة بأسرار المكان وفلسفته التي تتشكَّل بفعل الكينونة والتاريخ والثقافة يصعب التواصل، بل يقع المرء في كثير من الفجوات والانقطاعات الدلالية والإدراكية، نتيجة الجهل بفلسفة المكان وتنظيمه لدى الآخرين، فمعرفة الأنا تحدث من خلال المعرفة بالآخر وثقافته المكانية.)


ولنتوقف عند رواية في حضرة باب الجابية  للزميل أيمن الحسن التي تشي بالمكان من عنوانها ففي ندوة نقدية عقدت حولها العام الماضي توقف المشاركون حول المكان فيها  يقول ديب علي حسن إنه غالباً ما نتوقف عند شخوص الروايات وكأنها الأساس، ولكن لماذا علينا أن نهمل الوعاء الذي تجري فيه، إنه المكان الحقيقي، باب الجابية ليس مكاناً عادياً وهو معلم من دمشق، حكايا التاريخ والعمل والمهمشين، ولا أحد يعرف كم من الفقراء كانوا هنا يقفون بانتظار عمل ما.
‌‌‌‏
نعم من باب الجابية ينطلقون، المكان الذي قال عنه أيمن الحسن في حضرة باب الجابية، دلالة هذه الحضرة وما تعنيه، وعلى مقربة منها شواهد لمن رحل ومن بقي ويبقى، وباب الجابية بكل ما فيها من بائع البيض والبطاطا وغيرهم ما زالوا موجودين، والحسن مشغول بهم والمكان أيضاً لأنه يراه الهوية التي تعطينا كل ما نحن عليه.‌‌‌‏

ويضيف: لا أستطيع أن أقرأ باب الجابية إلا من خلال المكان سواء أكانت الشخوص منها أو لا، وغلاف الرواية يشي بها وبكل ما تقدمه، ونحن نعرف كيف يؤثر المكان بنا وعلينا ويجعلنا مشدودين إليه، هي رواية تستحق الاحتفاء بها.‌‌‌‏

وفي أدب نجيب محفوظ البطل هو المكان   فقد لعب (المكان دورًا مركزيًّا، بارزًا في تشكيل البنية السًّردية، لعالم نجيب محفوظ الروائي، حتى أصبح النافذة التى يرصد سارده من خلالها، الواقع المعيش بكل تغيراته الحضارية، وهمومه الإنسانية، التى يستشرف من خلالها المصير الإنساني، في ظل عبثية وجودية، ممتزجة برؤية صوفية، ارتقت بالمكان لدى محفوظ، حتى أضحى مركزًا للعالم، ورمزًا للوجود؛ كما تجلى في رواياته: «القاهرة الجديدة، خان الخليلي، زقاق المدق، بداية ونهاية، بين القصرين، قصر الشوق، السكرية، اللص والكلاب، ثرثرة فوق النيل، حكايات حارتنا، ملحمة الحرافيش، وغيرها. وفيها احتفى السارد بالمكان، لاسيما القاهرة الفاطمية، قاهرة المعز، بأزقتها، وحواريها ومقاهيها وأحيائها؛ كي يرصد التغيرات الاجتماعية والسياسية والحضارية، التى يمر بها الواقع المصري المعيش.
على أن الخطاب السّـَردي المحفوظي، بشكل عام، قد أولى «المقهى»، اهتمامًا كبيرًا، في أثناء إبداعه الروائي، «…المقهى يلعب دورًا كبيرًا في رواياتي، وقبل ذلك في حياتنا كلنا، لم يكن هناك نواد، المقهى هو محور الصداقة…”. فهو مصدر للحكى واجترار الذكريات، والفضفضة عما يجيش في الصدور من هموم حياتية، شخصية ووطنية.
المقهى يلعب دورًا كبيرًا في رواياتي وقبل ذلك في حياتنا كلنا لم يكن هناك نواد، المقهى هو محور الصداقة)
وفي دراسة مهمة أشار د. حسين حمودة إلى( أن هناك ثلاث مفردات للمكان تتكرر فى أدب نجيب محفوظ، أولها هي الحديقة, التى تظهر بشكل كبير فى عدد من رواياته، والثانية هي البيت القديم, التى تظهر بشكل بارز فى السمان والخريف والثلاثية، وتمثل هذه المفردة حلم العودة المستحيلة للبيت القديم، للرحم، حيث الثبات والاستقرار، ولكن الحياة، التى تبدو شائكة، تقتضى الخروج.أما المفردة الثالثة للمكان، كما يرى حمودة، فهي «العتبة»، مشيراً إلى أن استخدام العتبة فى روايات محفوظ يحمل بعداً رمزياً، يتمثل فى الخروج من واقع إلى واقع آخر، ومن حياة إلى أخرى، ومن رحلة إلى ما يليها، ويضرب مثلاً بـ «زقاق المدق«، حيث يمثل خروج حميدة من سيارة الأجرة مرحلة مهمة، وعتبة خطيرة فى حياتها، تفصل بين

حياتها القديمة، وبين الحياة التي هي مقبلة عليها، مؤكداً أنه مع تطور أدب نجيب أصبح للأماكن دلالات رمزية، ودلالات ميتافيزيقية، تتجاوز طوبوجرافية المكان وجغرافيته)
أذن المكان هو فضاؤنا الحياتي والمعرفي فيما بعد, ولا زمان دون مكان ولا مكان دون زمان وفيها يبدع الروائي.

آخر الأخبار
سرقة 5 محولات كهربائية تتسبب بقطع التيار عن أحياء في دير الزور "دا . عش" وضرب أمننا.. التوقيت والهدف الشرع يلتقي ميقاتي: سوريا ستكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين إعلاميو اللاذقية لـ"الثورة": نطمح لإعلام صادق وحر.. وأن نكون صوت المواطن من السعودية.. توزيع 700 حصة إغاثية في أم المياذن بدرعا "The Intercept": البحث في وثائق انتهاكات سجون نظام الأسد انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في القنيطرة "UN News": سوريا.. من الظلام إلى النور كي يلتقط اقتصادنا المحاصر أنفاسه.. هل ترفع العقوبات الغربية قريباً؟ إحباط محاولة داعش تفجير مقام السيدة زينب.. مزيد من اليقظة استمرار إزالة التعديات على الأملاك العامة في دمشق القائد الشرع والسيد الشيباني يستقبلان المبعوث الخاص لسلطان سلطنة عمان مهرجان لبراعم يد شعلة درعا مهلة لتسليم السلاح في قرى اللجاة المكتب القنصلي بدرعا يستأنف تصديق الوثائق  جفاف بحيرات وآلاف الآبار العشوائية في درعا.. وفساد النظام البائد السبب "عمّرها" تزين جسر الحرية بدمشق New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق