هفاف ميهوب
من يتابع ما يحصل في العالم، من اقتتالاتٍ وحروب وتدمير وانهيارات في كافة المجالات.. أيضاً، من يلاحظ مقدار الاستغلال والتلاعب والاستخفاف الذي يُمارس عبر وسائل التواصل الاجتماعي والفيسبوك، على وعي وتفكير الجماهير.. من يتابع ويلاحظ كلّ ذلك، لا بدّ أن يقول قول الكاتب والمفكّر البولندي “زيغمونت باومان”:
“الشرّ في واقعنا بكلّ مجالاته، يرتدي ثوب الخير، ويستعرض نفسه على أنه التقدم للحياة المحايدة، والمتجرّدة من الأهواء.. الشيطان يقلب النظام الاجتماعي، ويتغلّب على شرعيّته”..
نقول قول “باومان” هذا، ونحن نرى أن العالم قد بات غارقاً بالخوف والترقّب والويل والمأساوية، بل وبأنه بات على قناعةٍ، بأن هناك من يتقصّد إغراقه بكلّ أنواع الشرور.. الشرور التي تفاقمت إلى أن قضت، على كلّ القيم والأخلاق والمعاني الإنسانية؟..
بيد أن الشرّ قد فقد تماسكه فعلاً. فقده فتدفق ليتخطّى حدود الأزمنة والأمكنة تخطّاها فاتّسع الفراغ الأخلاقي، والمصالح الشخصية، والقلق الوجودي..
إنه ما سماه “باومان” “الشرّ السائل”.. الشرّ الذي أطاح بكلّ خيرٍ قد يتفاءل به البشر، والسبب الأكبر برأيه: “العيش مع الإنترنت، الذي جعل الشرّ يُعبد سراً”..
نعم، الحداثة هي السبب الأكبر فيما يحيط بنا من شرور.. هذا مايراه “باومان” مبرّراً، بأنها سالت فسال معها كلّ ما في الحياة.. الحب، الثقافة، الأخلاق، وغيرهم مما جعلنا نخاف من كلّ شيء، ونحذر من كلّ ماحولنا، ونتساءل عن مصير مستقبلنا، وإلى أن أصبحنا نشعر حتى الأرض:
“الأرض التي يفترض أن يقف عليها مستقبلنا، هي أرض رخوة.. تماماً مثل وظائفنا والشركات التي تعرضها، وشركاء حياتنا وشبكات أصدقائنا، ومكانتنا في المجتمع كله، وما يصاحبها من احترام للذات وثقة بالنفس”..