الثورة – محمود ديبو:
هو سؤال لطالما شهدت الإجابة عليه تجاذبات واختلافات انطلاقاً من طبيعة عمل كل من كان مضطراً للإجابة على سؤال “من يصنع التنمية؟”.
بداية نقول: هل التنمية صناعة، أي هل لها مقومات وأسس ومحددات لابدَّ منها لتنشأ التنمية؟
يرى الكثيرون أن التنمية مفهوم واسع يشمل كل الأنشطة الإنسانية في البقعة الجغرافية المراد تنميتها، وتحفيز إمكاناتها لتحقيق الخير المنشود للمجتمعات التي تعيش في تلك الجغرافية.
وعليه فإن كل فعل حقيقي ومنتج ويحقق قيمة مضافة هو تنمية بحد ذاته.
لكن يبقى السؤال من أين تبدأ التنمية..؟؟
للإجابة على مثل هذا السؤال نحتاج للتوقف عند بعض النقاط المطروحة في هذا السياق، فمن جهة يرى البعض إن الزراعة بشقيها النباتي والحيواني هي قاطرة التنمية في بلد تتوافر فيه مقومات الزراعة، فيما يذهب آخرون للقول إن الصناعة هي القاطرة الأساسية لشد عربات النمو نحو الأمام لكونها تقدم منتجات ذات قيمة مضافة بالاعتماد على المواد الأولية الخام التي تحولها إلى سلع مختلفة يحتاجها المستهلكون المحليون أو حتى مستهلكو الأسواق الخارجية..
إلا أن للعاملين في مجال التجارة رأياً آخر إذ يجدون مهنتهم (التجارة) هي قاطرة التنمية والرافعة الحقيقية للاقتصاد بالنظر إلى كونها تساهم في تسويق السلع والمنتجات وبيعها، وبالتالي تحريك رأس المال والتأثير في سرعة دورانه، فكلما كانت سرعة دوران رأس المال أعلى كلما تحقق أرباحاً أكثر وهكذا..
وهذا ينعكس على الصناعة والزراعة فمن جهة ترتفع قيم الإنتاج في المعامل والمنشآت الصناعية، وكذلك بالنسبة للزراعة التي تعتبر مورداً رئيساً للمواد الأولية من منتجات زراعية تستخدم في التصنيع الزراعي.
ويبقى الحديث عن قطاع الخدمات الذي يراه البعض مساهماً رئيساً في تسريع عملية التنمية من خلال تقديم مختلف الخدمات المصرفية والتأمينية والنقل والسياحة وغيرها التي تولد فرص عمل، وترفع من مستوى معيشة العاملين فيها، وتؤمن دخلاً بالقطع من خلال الزبائن والعملاء الداخليين والخارجيين..
إلى هنا تبدو جميع الطروحات والآراء محقة بالنظر إلى أهمية ودور كل قطاع في هذه العملية التكاملية التي تهدف بالنهاية إلى الاستفادة القصوى من كل الموارد المتوافرة وتوظيفها باتجاه دعم الاقتصاد وتنويع مجالاته، والرفع من مستوى معيشة المواطنين والمستفيدين من هذه التنمية.
بعد كل هذا نسأل: على من تقع مسؤولية صناعة التنمية، وإذا ما تحدثنا عن وفرٍ كبيرٍ في مختلف الموارد الطبيعة والمالية والمواد الخام الأولية وغيرها، فأين الإنسان من كل هذا؟؟ ماذا عن الموارد البشرية..؟؟
في الحقيقة.. إن التنمية هي فعل إنساني، ولا يمكن أن تتحقق إلا بتوافر خبرات ومهارات صناعية وزراعية وتجارية وخدمية عالية المستوى، وبالتالي نعود هنا إلى المربع الأول لنقول إن تعزيز قدرات الموارد البشرية الرفع من كفاءاتها وقدراتها الفنية والمهنية والعلمية هو الأساس في السعي للوصول إلى أي تنمية، وبالتالي يمكن الحديث هنا عن المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها التي يجب أن تكون قادرة على تقديم العلوم والمعارف والمهارات والخبرات المطلوبة لصناعة التنمية، وبالتالي فإن أهم ما يمكن قوله هنا إن صناعة التنمية تبدأ من صناعة الإنسان الذي هو حجر الأساس واللبنة الأهم في بناء التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمهنية وغيرها..
فالفعل الإنساني على مر العصور كان هو المحرك لكل النهضات الاقتصادية في العالم، ومن تجارب عالمية نجد أن الاهتمام بالإنسان وتمكينه علمياً ومهنياً وثقافياً وحضارياً كان أول خطوة من الخطوات التي قامت بها دول لتصنع نهضتها وتحقق تنميتها وترتقي بمجتمعاتها البشرية وتضمن استمرارية هذه التنمية..
