تفرق السياسات والمعتقدات بين البشر ، ويقبلون على القتال مدفوعين بأفكار عدائية أساسها الإيمان بامتلاك الحقيقة ، وإيمان مطلق بصواب وصحة ما يقومون به ، حتى وإن كان يقوم على قتل الغير لمجرد عدم الشبه.
وعلى امتداد التاريخ البشري نسجل الكثير من أشكال الصراع والعنف التي اعتمدت التفرقة والكراهية مراجع لها في سبيل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية والسيطرة على الثروات المعدنية والطبيعية لفئة صغيرة تعمل على استخدام العامة سلاحاً لها في تنفيذ مخططاتها. فما الدافع والعامل الأساس المحرك لتلك العداوات التي اتسم بعضها بعمليات تصفية عرقية أو عقائدية أو سياسية ؟
لقد كانت الأطماع في السيطرة والتملك وحيازة الثروات الدافع الأساس في تلك الصدامات المختلفة ، فبعد امتلاك القوة البنيوية بأشكالها المختلفة بدأت حالة الاعتداء الساعية إلى السيطرة واستخدام المقهورين في ترفيه وخدمة القاهرين في سلسلة لم تتوقف حتى يومنا هذا.
وقد كانت المعاهدات والاتفاقيات الدولية والقوانين والتشريعات الدولية محاولة لضبط إيقاع الحروب والحدّ منها لم تستطع تحقيق أهدافها رغم المرور بفترات وظروف اتجهت المجتمعات نحو التصالح والتفاهم والتعاون ، لكن لم يقدر لها الاستمرار طويلاً ، إذ عاد المتطرفون لممارسة اعتداءاتهم مدفوعين بالرغبة في السيطرة ومسلحين بالقوة العسكرية كما آلت إليه الأوضاع بعد الحرب العالمية الثانية ، فقد كان ميثاق هيئة الأمم المتحدة متكئاً على فكرة إقرار السلام والأمن في العالم وأن الحرب العالمية الثانية ستكون آخر الحروب ، وصاغ المشرعون والقانونيون الميثاق وفق تلك الرؤية التي دمرتها قوى البغي والعدوان وبدأت سلسلة لم تنته من حروب ما زالت مستمرة .
فهل ثمة احتمالات بعد هذا التاريخ الدموي الطويل لزرع بذور المحبة والوفاق بين الحضارات والثقافات المختلفة والشعوب والمجتمعات المختلفة والوصول إلى قناعات ترفض القتل كأسلوب للعيش ؟ وهل يمكن أن يكون الصراع المؤهل للتطور بعيداً عن العنف ويأخذ شكل التنافس المنتج للحضارة البناءة؟
لا شك أنها آمال طيبة يحملها الناس في وجدانهم ، فتراهم يتعاضدون ويتعاونون في الأزمات والكوارث والفواجع، فيمدون أيادي العون والمساعدة لبعضهم رغم خلافاتهم وقتها ويتألمون لمصائب المكلومين، ويضعون الخطط للمساعدة وتقديم العون لهم ولا يلبث الأمر أن يتغير مع أي جديد ؛ الأمر الذي يبقي الحالة مستمرة طالما لا إمكانية للوصول لمجتمع مثالي وبناء جمهورية أفلاطونية خالية من التفاوت والكراهية .