من آداب الخدمات أن يتقاضى مزوّد الخدمة أجراً يتناسب مع نوعية الخدمة والزمن الذي يستغرقه في إنجازها.
فمن غير المعقول – مثلاً – أن تتجه حافلة لنقل الركاب تكون سيئة الشكل والأداء من دمشق إلى حمص، وتتقاضى الأجور نفسها التي تتقاضاها حافلة جيدة الأداء والمنظر تنقل الركاب إلى حلب.
في مثل هذه الحالة من الطبيعي أن تكون الأجرة إلى حمص أقل من الأجرة إلى حلب، لأن المسافة إلى حمص أقل بمقدار النصف تقريباً من تلك المسافة إلى حلب، وتالياً استهلاك الوقود سيكون أقل بكثير، والزمن الذي تستغرقه الرحلة يكون أقل بكثير أيضاً، كما أن نوعية الخدمة مختلفة، فخدمة حافلة حلب أفضل بكثير من خدمة تلك الراحلة إلى حمص، فلا يُعقل أن تستقيم الأمور بأن تكون أجور الرحلتين موحّدة.. وليس من آداب الخدمة أن يحصل ذلك.. وهو في حقيقة الأمر لا يحصل، فهذا عرفٌ يراعى بشكل طبيعي.. يراعيه كل سائق من تلقاء نفسه إلى حد كبير، كما تراعيه القرارات الناظمة لهذا الأمر بشكل دقيق.
ولكن الغريب واللامعقول هو ما يحصل في بعض الخدمات التي تقدمها السورية للاتصالات، فمن المفترض أن كل راوتر ناقل لخدمة الإنترنت عبر تقنيات الـ(ADSL) يكون مكشوفاً من حيث الاستهلاك عند السورية للاتصالات كمزوّد للخدمة، وتعرف الاتصالات حجم الاستهلاك الذي يستخدمه أي مشترك، وتعرف الزمن المُستغرق لذلك الاستخدام، ومن المفترض أيضاً أن تُجمع هذه المعطيات وتُحسب تكاليفها بدقة، وكان على هذا الأساس من الواجب أن تصدر الفاتورة.
غير أن غريب ما يحصل عند الاتصالات كمن يوحّد الأجور بين رحلتي حمص وحلب المذكورتين سابقاً، فالأجور التي تتقاضاها السورية للاتصالات على بوابة الإنترنت موحّدة إلى حد معيّن سواء استخدمها المشترك لزمن طويل أم قصير، وسواء كانت الشبكة جيدة أم سيئة، وسواء كانت التغذية الكهربائية المرتبطة بالراوتر موجودة أم غير موجودة، وسواء دخل الراوتر حيّز التشغيل أم لم يشتغل فإن أجور الخدمة يدفعها المشتركون على دوز بارة إن”رَوتروا أم لم يُروتروا”.. وإن كان الخلل منهم أم من الاتصالات سيدفعون يعني سيدفعون.!
لا اعتراض على الدفع من حيث المبدأ – برغم صعوباته المعروفة – إن كانت الخدمة جيدة، سواء عبر الراوتر أو عبر شرائح السيرف المرتبطة أساساً مع مراكز الهاتف الحكومية عن طريق أبراج الشركتين المشغلتين للخليوي، غير أن هذه الخدمة هي في الواقع سيئة في الكثير من المناطق، وسيئة جداً في مناطق أخرى.. وربما تقتصر جودتها على مراكز المدن الرئيسة، فلا تستقيم الأمور أن تكون أجور هذه الخدمة المضطربة موحّدة بين كل المناطق والأماكن، هذا ظلم صريح بكل معنى الكلمة، كما أن المناطق الواسعة سيئة الخدمة تكلف المستخدمين الكثير من ضياع الوقت والأكثر من الضغط النفسي في رحلة البحث عن التقاط شارة هاربة من هنا أوهناك، فترانا نقفز كالسعادين من مكان إلى آخر لاصطياد شارة .. !
ما نأملة أن تتخلى السورية للاتصالات عن هذ الطريقة.. إما بتحسين الخدمة.. أو بتخفيض الأجور عن المستخدمين في الأماكن السيئة الخدمة، وأن تسقط من الأجور المفروضة زمن الانقطاع وعدم الاستجابة، وأن لا تحاول إقناعنا بأن أجور السفر من دمشق إلى حمص وحلب بتلك الحافلتين يجب أن تكون موحّدة.