ليست دعوة للصمت والسكوت أو السلبية في الحوار ولكن الأكيد أن الكلام والصمت يخضعان للقاعدة الاقتصادية المتعلقة بالعرض والطلب فكلما كثر الكلام قلت الرغبة للاستماع إليه لجهة فلتكن كلماتك قليلة لمن يستمعون إليك، فالحقيقة أن الإنسان ملول بطبعه والقدرة على الاستماع عند البشر لها حدود، ولاسيما إذا كانت المسألة التي يجري الحديث عنها معروفة أو معلومة للجميع أقول هذا وأنا أتابع عبر وسائل الإعلام أو المنابر الثقافية وغيرها قضايا قد تشغل الرأي العام سواء كانت سياسية أو فكرية أو اقتصادية أو دينية وغيرها فالأشياء المعروفة للرأي العام لا حاجة لتكرارها والتأكيد عليها فربما كان ذلك سبباً في اتخاذ موقف سلبي منها أو من مطلقها إضافة إلى أن كثرة الحديث في بعض القضايا التي للشارع موقف مختلف حولها عن رؤية أوموقف أصحاب الرأي والقرار قد يكون له مفعول سلبي وارتكاس سلبي لا يصب في خدمة المصلحة العامة، وفي معرض الحديث عن الكلام والصمت وهذه مسألة لا علاقة لها بما سبق تجدر الإشارة إلى أن القلب واللسان هما شيء واحد أو يفترض أن يكونا كذلك فالكلام بالنسبة للإنسان قد يكون سبب خلاصه أو هلاكه وجاء في الكتاب المقدس بكلامك تتبرأ، وبكلامك تدان ومن فمك أدينك أيها العبد الشرير، والقول للسيد المسبح عليه السلام وقيل أيضاً أن لغتك تظهرك وفي الواقع أن خطية الكلام ليس قضية خطية لسان فهي خطية قلب قبل أي شيئ فالصلاح والشر يخرجان من القلب وأية ذلك وبيانه هو اللسان وكانت العرب تقول: لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك، ومن فيض القلب ينطق اللسان والكلمة الطيبة لا تخرج إلا من قلب طيب والكلمة الخبيثة لا تخرج إلا من خبيث تماماً كما الثمرة الطيبة لا تخرج إلا من شجرة طيبة (كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت، وفرعها في السماء) ومن ثمارهم تعرفونهم ولا يمكن لماء صاف أن يخرج إلا من نبع صاف، مما سبق تأتي أهمية الحديث عن الكلمة والكلام ومسؤوليتهما ما جعل الحكماء على وجه العموم يحجمون عن كثرة الكلام والتحلي بفضيلة الاستماع والإصغاء قبل أي حديث وكان لسان حالهم يردد ما ندمت عن سكوت وكم ندمت عن كلام خرج من لساني ولاسيما أنه لايمكن وتصعب العودة عن كلمة خرجت من لسان أو التخلص من مفاعيلها حيث حسبت على مطلقها وأخذت مفاعيلها عند الناس ولعلنا هنا في معرض حديثنا عن فضيلة الصمت لا نقصد أو ندعو للصمت أو السكوت وإنما أن يسبق السكوت حالة من التفكير والتأمل والمحاكمة قبل قول الكلمة أو الموقف لأن كثرة الكلام الذي قد يصل إلى درجة الثرثرة أو التهريج يزيد من مساحة الخطأ والوقوع في مضنة السوء والمسؤولية عندها تنطبق القاعدة التي تمت الإشارة إليها وهي من فمك أدينك.