الملحق الثقافي- عبد الحميد غانم:
لماذا نكتب؟.. سؤال يراود عقولنا عن مغزى الكتابة بالنسبة لأنفسنا ولمحيطنا.
لأن الكتابة تعبير عن ذاتنا ومشاعرنا وهمومنا وطموحاتنا.
نكتب للفرح والحب والسعادة لنطوي صفحة الحزن والكره والتعاسة.
نكتب علماً وأدباً وثقافة وفكرة لننيرحياتنا ونضيئ العتمة والظلمة ونفسح الطريق أمام الحب والفرح والعلم والبناء .
نكتب قصة أو شعراً أو أدباً لنلهو ونرقص على حروف الكلمات ونصعد درجات السلم الموسيقي، ونقفز على وسادات المرح والحياة.
الكتابة هي الإنتاج الفكري الإنساني الحضاري الذي يعد خلاصة ما نفكر وما نشعر به، وكي يفهمنا محيطنا، ويمكننا من الاتصال بالآخرين باعتبار مانكتبه هو رسالة من ذاتنا إلى الآخر.
الكتابة كانت منذ الأزل الطريقة المُثلى للتعبير عن حاجات الإنسان وأهدافه وطموحاته، وهي ملاذنا في الترويح عن أنفسنا والتخفيف من ضغوطاتها النفسية، معظمنا يكتنفه الغم والهم لا يحب البوح ويكتم ما بداخله دون أن يظهر ذلك على ملامحه، لكن لا بد للإنسان أن يعبر عن نفسه أن يشرح وجعه أن يشارك أحداً ما أو شيئاً ما همه حتى وإن كان قلم أو صديق من جنسه.
لكن ما الذي يدفعنا للكتابة وما حاجتنا للكتابة؟، هل هي حاجة ذاتية أم اختيار بدوافع داخلية أم خارجية، كل ما ذكر صحيح.
الكاتب إنسان بمشاعر مرهفة يتأثر سريعاً وكثيراً.
الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز قال: إنه يكتب لكي يفرح الأصدقاء، فيما أجابت الكاتبة الأميركية سوزان أورلين عن نفس السؤال بـ»أكتب لأنني أحب أن أتعلم عن العالم، أحب سرد الحكايات والتجربة الفعلية لصنع الجمل».
نحن نكتب لنُشفَى من جراحنا، جراح الشّعور، نحن نكتب لأنّ حاجةً مُلحّةً في أعماقنا تدفعنا إلى ذلك، تدفعنا إلى التّجريب، تدفعنا إلى لذّة الخلق، الكتابة خلقٌ من نوعٍ ما، معرفة قدرتنا في إنجاز خلقٍ على نحوٍ يُثير الدّهشة، دهشتنا الطّفوليّة الأولى، أو يدفعنا إلى أنْ نفخر بما أنجزْنا.
الحياة كتابة لتوثيق حياتنا وحكايتنا التي نأمل لها السعادة لتخرجنا من كآبتنا وتطل على لوحة فرح سعيدة تنسينا همومنا وتدفعنا لنعمل لتحقيق حلمنا وأملنا المرسوم في ذهننا وتمدنا بالقوة التي تمنحنا ناصية المعرفة وامتلاك المستقبل.
الإنسان ابن بيئته، كما يقال، والكاتب ابن بيئته أيضاً، لأنه يعبر عما يخالج عواطفه الجياشة، ومشاعره الفياضة، وأحاسيسه المرهفة.
ويعتبر الكاتب نتاجاً للمجتمع أو البيئة التي نشأ فيها، يؤثر فيها وتؤثر فيه، يعيش تجارب أفرادها ووقائعهم، فينقل كل ذلك في قالب إبداعي رائع، بأسلوب محكم مؤثر يلذ القارئ ويأسر السامع ويجذب المتلقي.
والكاتب ليس مؤلّفاً وحسب وإنّما هو كذلك المصغي للوحي، يستنير بنور الكلمة ليجسّدها أدباً وعلماً وثقافة ومعرفة، وعندما يجسّد هذه الكلمة لا بدّ أن تمتلك شيئاً من خصوصيّته وإلّا بدت للقارئ جافة وباهتة.
وأقول وحياً، لأنّ الوحي فقط متى تجسّد كلمات أدخل إلى روحنا لذّة العودة إليه لقراءته مرّات ومرّات وفي كلّ مرّة نشعر أنّنا نقرأه للمرّة الأولى.
إن الكتابة تسكن الكاتب، فتصبح وجوده الذي يتحرك، وكيانه الذي يتماهى، فيغدو الكاتب مفتوناً بالكتابة مهووساً بها.. وحينما يعمد إلى الكتابة فإنه يجد متعة ولذة منقطعتي النظير، لا يحس بهما غيره، وذلك لأن ما يكتبه ليس شيئاً منفصلاً عن ذاته وكيانه، بل إن ما يكتبه متصل بذاته الإنسانية، وبعواطفه، وبمشاعره وأحاسيسه، بمعنى أن الكتابة تشكل بالنسبة للكاتب الكل في الكل، فهي ليست فقط وسيلته لمحاكاة الواقع والأحاسيس، ولكنها أيضاً غايته المنشودة وهدفه الأسمى.. ومن ثمة فهناك قوة دفينة ومحرك لا مرئي يدفع الكاتب نحو بحر الكتابة، ألا وهو الشغف والحب والهوس بالكتابة.
العدد 1129 – 24-1-2023