بين الثلج والنار

الملحق الثقافي- لينــــــا كيــــــــلاني:
الثلج، بل البرد يهبط قاسياً، وإنما بإيقاع هادئ كإيقاع الحياة التي كانت في تلك المدن قبل أن تتزلزل الأرض من تحتها.. لا لم يكن برداً، ولا ثلجاً.. بل قطعاً من نار.. تحرق النفوس لا الأجساد.. ثلج، ونار.. نار، وثلج.. ثلج هو للأرض.. ونار هي نيران.. ليست اشتعالاً، ولا احتراقاً، ولا لهباً أحمر بل هي نار غير منظورة تتسرب إلى القلوب حسرة، وألماً مع شتاء أصبح للحزن على مَنْ فُقد، وما فُقد.. ونور للأمل بالعثور على ناجين، وظلام يعمي الوجدان، حرير، وشوك.. حرير كنعومة وجنات الأطفال الذين خرجوا من تحت الركام.. وشوك كرؤوس الدبابيس يخز الأجساد المسمرة تحت الأنقاض.
هل كان كل ذلك، أو أكثر من ذلك؟.. أجل…
لحظات للصمت بحثاً عن حياة بينما الحياة تعني الحركة، والصوت، والضجيج.. ويا للمفارقة الجارحة، كم هي غالية نبضة الروح، وخفقة القلب.. من ثقب من بين الأنقاض تطل الحياة التي تبذر الأمل في العثور على ناجين.. ومن تحت الركام الجاثم فوق الصدور تتعالى صرخات الاستغاثة، والآمال تُدفن مع جثامين الأهل، والأقرباء، والأصدقاء، الذين لم تسعفهم أقدارهم للنجاة فاستعجلوا الشهادة.
والأطفال براعم الأمل هم أكثر الناجين، إلا أنهم يخرجون من فم الوحش الذي كاد أن يبتلعهم ليجدوا أنفسهم وقد أصبحوا أيتاماً، أو معاقين جسدياً بين عشية وضحاها.. يبحثون عن حياة جديدة بعد أن جاء الزلزال ليبتر حياة سابقة كمن بترت يده، أو ساقه على حين غفلة ليجد نفسه مع واقع جديد يضطره إلى التعايش معه، الأطفال يخرجون من تحت الدمار وبراءتهم تسبقهم بسؤال، أو رجاء، أو صرخة، أو ضحكة.. يتحدون الموت في لوحات رسمتها الفاجعة، ونقلتها الشاشات، وكل لوحة هي قصة مؤلمة.
صور يؤطرها الحزن.. وبراءة تولد من جديد، وأخرى تموت تحت الركام، والجليد، أبناء بلا آباء، أو أمهات.. وآباء، وأمهات بلا أطفال.. وأمواج من الفقد مثل أمواج التسونامي تبتلع أسراً بأكملها.. ويتيم لمرتين يبحث عن عائلة.. وتتأرجح القصص بين حزن، وفرح.. بين يأس، ورجاء.. وبين ثلج، ونار.
اهتزاز زلزل حياة من وقعت بيوتهم فوق رؤوسهم.. والأهالي الذين يقفون مترقبين أن يخرج إليهم أي من أحبائهم، وذويهم إنما يقفون فوق جمر مشتعل يصل لسعه إلى قلوبهم.
وعصفور صغير يحلق نحو السماء معلناً عن تلك الأرواح التي غادرت، وعن أخرى ولدت لتحبو نحو المستقبل، والأمل.. لكن أصواتاً مخنوقة وصلت إلى العالم كله، مع خفقات القلوب الراجفة التي تبحث عن أجسادٍ مازالت حية.. لا فرق بين كبير، وصغير، ولا فرق بين هذا، وذاك، فكلها أرواح تستجدي الخلاص بصرخات، أو بشهقات البكاء.. وأيدٍ تمتد بالرجاء من بين أكوام حجارة تكبل الأقدام، أو تجثم فوق الصدور، وغضب الأرض وارتجاجها لا يحسب حساباً لأحد، ولا يأبه لمن يقضي، أو لمن يمضي في مسيرته ناجياً.. وقلب المدينة ينكسر مجروحاً على أبنائه، ولا يعرف كيف يلملم أجزاءه التي تبعثرت تحت ركام البيوت المنهدمة.. أما نحن فعيوننا مسمرة على الشاشات نتابع كل نأمة، وكل همسة، ونحن نبتلع الغصة مع الدموع، ولا نستطيع ان نغلق بكبسة زر ما يُبث أمامنا لأننا نعتبره نوعاً من الخيانة، ونشعر بالذنب إذا ما فعلنا، فأبسط ما يمكننا أن نشارك به هؤلاء الذين فجعوا بمصائرهم هو أن نتابع أخبارهم، وأن نعرف قصصهم.. أما المساعدات الإنسانية بكل أشكالها فهي حق لهم علينا، وكل حسبما يقدر على أن يقدمه مهما كان بسيطاً إلا أنه يؤكد وقوفنا إلى جانبهم، واعترافنا بالمسؤولية تجاههم لمواساتهم في مأساتهم التي باغتتهم على غير موعد.
قدر انصب فوق الرؤوس، ولم نعرف عن قصصه سوى غيض من فيض.. فإذا كان ما جرى ليس من صنعنا فعلى الأقل أن نبادر في العون والمساعدة، وهذا مما كان لافتاً حقاً في كل أرجاء الوطن عندما تنادى أبناؤه للوقوف في وجه كارثة هي ليست من صنع الإنسان، بل من مشيئة الأقدار.. ليخففوا من هولها، ويداووا بعضاً من جراحها التي لم تستثنِ أحداً.
ويقول لي الفنان: الأحداث تتباين لكن الصور الفواجع تتشابه، وأنا رسمت طفلاً في فلسطين تحت الهدم، وها هي الصورة تتكرر اليوم بفعل الزلزال.. لا يهم إذا كان الطفل فلسطينياً في فلسطين، أم سورياً في اللاذقية، أم جبلة، أم حلب، وغيرها المهم أن صور المآسي تتكرر إلا أن الأطفال أثبتوا أنهم أكثر مقاومة لأنهم نبض الأيام القادمة، والفرح المأمول، والنور الذي سيملأ القلوب

العدد 1133 – 21-2-2023

آخر الأخبار
الشرع يؤكد أهمية الدور السعودي وبن سلمان يجدد دعم المملكة لسوريا  تشغيل 20 بئراً  لضخ المياه لمدينة حماة ومشاريع توسعة    "الدفاع" تستلم مستودعات السلاح من تشكيلات اللجنة المركزية في درعا   اجتماع ثلاثي في أنقرة غداً لدعم الحكومة السورية مدير" تربية "درعا: جلسة حوارية للنهوض بالواقع التعليمي المواطنة والهوية... نقاشات غنية بأبعاد وطنية  مفكرون وباحثون: يجب إعادة صياغتها بما يتلاءم مع متطلبا... تحقيق لـ"بي بي سي": شبكات خارجية تغذّي الطائفية وخطاب الكراهية في سوريا القصة التعليمية".. أسلوب تربوي لتعليم الأطفال باحثة تربوية لـ"الثورة": تكسبهم ثروة لغوية كبيرة لإيجاد فرص عمل أوسع ..تشبيك بين الرواد الشباب وشركات التكنولوجيا   خطة لتأهيل محطة ضخ دمر بدمشق ومحطات تحلية جديدة  تشغيل 85 بئراً لتأمين مياه شرب صالحة للمواطنين وزير التربية والتعليم : تأهيل 100 مدرسة والعمل جارٍ لتأهيل 400مدرسة أخرى   حملة توعية  لتحسين واقع سوق كشكول تأهيل جسر محجة في درعا   تحصين أبقار حمص ضد مرض الجلد الكتيل جامعة حمص تدرب طلابها  على "نظام إدارة الجودة في المعامل الدوائية تأمين المياه لناحية البهلولية باللاذقية محافظ اللاذقية : السيطرة على الجزء الأكبر من حرائق الريف  الشمالي جولات تفتيشية لمنع أي  زيادات في أسعار " أمبيرات " حلب  "العمق العربي أولاً ".. البحرين على سمت بوصلة السياسة السورية جامعة دمشق.. معرض لإبداعات الحرفي السوري وإحياء المهن التراثية