هناء دويري:
الرواية والشعر والقصة وكلّ أشكال الفنّ الأدبي بفرديّتها وجموعها ولغاتها وتوظيفها لصور المرأة (عشتار عبر الزمن) بمستوى عال ورفيع وبمضامين ومواضيع متنوعة، بقيت على مرّ التاريخ والحضارات الإنسانية انعكاسا للشعوب في تحولاتها وصوّرت الإنسان وخاضت غمار حياته وغاصت في تصوير الإنسان وصراعاته وتحدّياته ووصفت بدقة شروط حياته القاسية سواء مع الطبيعة أو بين أفراد الجنس البشري من أجل البقاء واستمرار الجنس البشري منذ بدء الخلق ،ومهما حاولنا صناعة فنّ وأدب لأجل الفنّ والأدب يبقى الإنسان في ذاته وذوات الآخرين انعكاسه ومراياه وظلاله…
كثيرا ما كانت المرأة محور وأساس الفنون والآداب وشكلّت حيّزا واسعا في فكر وجوهر أيّ عمل أدبي وفنّي كما هي في الحياة عموما ،ولخصت أزمات الإنسان وتحولاته وخيباته وحبّه وكرهه وأحلامه وديمومته بالخصب والعطاء سواء كانت أمّا أو أختا أو ابنة ،وسطرت ملامح بطولية على مرّ التاريخ، فالحرب الإرهابية على سورية أفرزت أعظم النساء السوريات المناضلات المضحيات ،قصة كلّ واحدة منهن في التضحية والإباء وتقديم فلذات الأكباد شهداء ،وتعليم الأبناء كيف تُصان الأوطان ،قصة كلّ امرأة تصلح رواية ممهورة باسم وتاريخ عشتار السورية عبر الزمن
عندما انتحبت الطبيعة أيضا وزلزلت الأرض بقيت الأم السورية صامدة مناضلة برغم الألم والفقدان تنقل أبناءها وأطفالها من مكان إلى آخر بحثا عن الأمان والسلامة.
أمهات سورية ونحن نحتفي بعيد الأم هنّ شخصيات بطولية يستمدّ منها العالم والأدب والفنون كلّ معاني الإنسانية
الخنساء السورية في استمرار
الكاتبة والأديبة ريما دياب في لقاء مع صحيفة الثورة، تحدثت من خلال روح خاصة تتمتع بها المرأة السورية قائلة:
إن كان للأدب صوت، ففي سورية كان للأدب طعم آخر وشكل آخر إذ مزج الأدب بالإحساس والروح المفعمة بالحياة والعطاء وذلك من خلال ما قدمته المرأة السورية عامة والأم بشكل خاص في فترة الحرب، ولاشك أن المرأة السورية عانت ما عانته في زمن قل فيه كل شيء إذ وقفت المرأة موقفا لا تحسد عليه إذ كانت الأم المسؤولة عن تربية الأطفال ورعايتهم لوحدها مع غياب الزوج كما مثلت أم شهيد أو أم الشهداء رمز التضحية والوفاء فكم هو مؤلم أن تفقد الأم جزءا من روحها.. ولاشك أن غياب هذه الروح أو الولد كان بمثابة موت على قيد الحياة للأم.
فما شهدته الأم والأمهات السوريات لم تشهده امرأة من قبل لأن فقدان الولد لا شيء يعوض عنه وإن نظرنا نظرة سريعة إلى الأدب الذي مثل نساء العصر في فترة الحرب فنشهد أن الكثير من النساء السوريات أثبتن ضمن إطار ما كتبن عن قوة المرأة وجبروتها.. فكم من أديبة سورية كتبت بجرأة وقوة لم يكتبها بعض الأدباء الذين وقفوا مذهولين بالوضع المأساوي فوقفت المرأة فترة الحرب ومن ذلك ما كتبت الأديبة ((أنيسه عبود)) والكاتبة الدكتورة ((ناديا خوست)) وغيرهما الذين وثقن وكتبن عن فترة الحرب وما عانته الأم السورية وما عاناه الشعب السوري بشكل خاص.
إن الأدب دوّن مرحلة صمود المرأة وهذه المرحلة ستخلد النساء السوريات دون أدنى شك كما خلد اسم الخنساء التي مازلنا نقرأ قصائد الرثاء التي كتبتها ونبكي لما عانته إثر فقدان إخوتها.
إن للأدب كغيره من الفنون وظيفة مهمة ودور فعال في المجتمع، إذ هو بمنزلة الدواء للمريض وإن كان الدواء روحيا إلا أنه يشفي وينقذ الروح الإنسانية من المرض واليأس والإحباط.. وكل ما شاهدناه من آثار الزلزال وتصدعت مشاعرنا وبكت عيوننا إلا أن الأدب صورة عن الواقع ولا شك أنه حياة جديدة تولد المرأة من جديد.. وأكثر ما أثر في ذاتنا صورة الأطفال الذين فقدوا أمهاتهم، الأم التي هي الحياة فبات الطفل مكسورا أو مكسور القلب والوجدان، إلا أن الأدب هو بلسم لينقذ هؤلاء الأطفال وذلك من خلال ما سيكتب أو ما كتب عن مآسي الشعوب ومآسي الناس وذلك لتمرين الأطفال وتعويدهم على الصبر.. كما أن للأدب وظيفة إنسانية من خلال ما يقدمه الأديب أو الكاتب من مادة تسلي الهموم و تزرع بذور التفاؤل في قلوب الأطفال، المتعبة وعلينا نحن الأدباء اليوم ولاسيما المرأة التي تكتب بروحها واحساسها قبل عقلها أن توجه مادة خاصة بأدب الأطفال لتزرع الفرح والتفاؤل في قلوبهم وإقامة الندوات التي تهتم أيضا بأدب الأطفال لتنمية مهاراتهم وذلك لملء الفراغ لهؤلاء الأطفال الذين ربما تصدعت روحهم لما رأوه ولمأساتهم بفقد الأمهات، فضلا عن الرعاية الخاصة وتقديم ما يلزم لهم.
ونهاية.. من المؤكد أن الأم هي جنة وهي الروح التي لا يمكن لأي شيء في الحياة أن يعوضها.. رحم الله الشهداء والأمهات اللواتي كن ضحية الزلازل وزرع الصبر والسلوان في نفوس أولادهم.
بمناسبة عيد الأم كل عام وأمهات سورية بألف خير وتبقى عشتار وخنساء سورية ملهمة النساء ويبقى الأدب يستمد قوته وشخصياته من أمهات سورية، ويأخذ الأدب والأدباء دورهم في التخفيف من آثار الزلزال على الأطفال الذين بقوا دون أمهات….