الثورة – نيفين محمد أحمد:
ببراءة طفولية قالها الطفل إياس الذي لم يتجاوز السبع سنوات أنا أحب “رفيقاتي” قالها وهو يبتسم ابتسامة بريئة ولا يدرك ما يقول هو فقط يحب.
لفت نظري هذا الطفل وسألت نفسي هل هناك حب حقيقي بين الأطفال وهل يفهمون معنى الحب، ولاسيما أن المختصين يقولون إن الطفل قد يحب أحد المدرسين أو أحد الأقارب أو الأصدقاء.
نجد هذا المشهد يتكرر في كل أسرة عندما يكون طفل لديه خمس و ست سنوات يتكلم عن الحب فتجد الكبار يسمعون ويضحكون في حين أن الطفل يكون جاد جداً، وعند سؤاله هل تحب “فلانة” فيقول نعم وسنتزوج وهو لا يدرك معنى الزواج أو الحب بل يحبون بكل براءة ولا يدركون شيئاً من هذا.
ولندخل بتفاصيل أكثر على ما سبق.. توقفت الثورة مع الدكتورة ريتا زيدو عضو هيئة تدريسية بجامعة دمشق اختصاص إرشاد نفسي في كلية التربية لتقول إن مرحلة الطفولة غريزية بحسب فرويد حيث إن ميول الابن للأم أكبر بينما ميول البنت للأب أكثر والطفل منذ نعومة أظفاره يحب أولئك الذين يعتنون بهم ويرضون حاجاتهم الأساسية وعادة ما يكون هؤلاء هم “الأب والأم” في المرحلة الأولى، شيئاً فشيئاً يبدأ يحب الآخرين أو الأشياء الأخرى “أصدقاؤه، ألعابه، الطبيعة والبيئة التي يعيش فيها “وتصبح الأشياء التي يحبها ليست مرتبطة بشكل مباشر بإرضاء الحاجات الشخصية ولكن بما نتعلمه عن كيف نحب إذا فهنالك عملية تربوية لها أهمية كبيرة في تطوير هذا الجانب.
– ما الذي يجعل حب الطفولة لا ينسى وهل يستمر؟
تقول زيدو: أي شيء نختبره في الطفولة قد يبقى لوقت طويل وقد تكون خبرة الطفولة أكثر رسوخاً أو معياراً يقاس عليه ما يأتي بعدها.. فمثلاُ لو كانت أمي حنونة ولو اقتنعت بذلك سأميل للثقة في النساء ولو رأيت أبي لا يعطيني الحنان ستقل ثقتي بالرجال.. ما يجعل خبرة الحب في الطفل مؤثرة لأن كل خبرة في الطفولة تكون هي الأولى أي لم تحدث من قبل فيها اختيار للحواس والمعلومات والأفكار والمشاعر كلها مؤثرة وجديدة.
وتتابع زيدو: يستقبل الطفل بعد مستويات كثيرة من الروابط والمعلومات التي تصل إليهم بعقل متعطش ويعاد تفسيرها وربطها مرات ومرات عبر الزمن “وشبهتها بلوحة كأن تدخل من مركزها وكلما سرت نحو طرف الدائرة ترى جوانب جديدة منها، فالأطفال قريبون من المركز فمنها انبعث أول كل شيء، أول حب، أول هجر، أول ألم، وأول حنان، ولكنهم لم يروا من اللوحة ما يساعدهم على تقدير أسبابه “فالقسوة قسوة والحب حب” لذلك تبقى خبرة الطفولة لوقت طويل وقد يكون أثرها مميزاً أولاً تبعاً للخبرة بحد ذاتها ولتعامل المحيطين بالطفل مع هذه الخبرة.
وأوضحت بأن الحب الأول في مرحلة الطفولة “مرحلة عمرية أولى” له تأثير قوي لما بعد الزواج لأنه حب صادق من قلب خال من التجارب.
ولدى سؤالنا كيف يعبِّر الطفل عن مشاعر الحب لديه أشارت الدكتورة زيدو إلى أن الأطفال يحبون ويعبرون عن حبهم بطرق بريئة، فالحب الطفولي هو حب بريء جداً مبني على العاطفة الناتجة من العلاقات فقط وليس له أي علاقة بإعجاب الشكل أو الشخصية أو كل هذه الأشياء المعقدة التي تعجب الكبار والناضجين، فالطفل فقط يحب وطريقة محبته أيضاً طفولية، فالطفل قد يحب أحد المدرسين أو أحد الأقارب.
– وعن كيفية تعامل الأهل معه؟
أشارت الدكتورة زيدو أن تعامل الأهل مع هذا الحب من خلال الانتباه إلى نقطتين أساسيتين وهما التعامل الهادئ مع الطفل فلا نبدي انزعاجاً أو رعباً تجاه سلوكه لأن هذا يثير الفضول أكثر لدى الطفل، وبنفس الوقت لا يجب أن يتعامل الأهل مع الموقف بروح الدعابة الزائدة والسخرية أو بالإشارة إلى “أنك كبرت وصرت تعرف تحب “لأن هذا الأمر يسبب تعزيزاً للسلوك أي إن هذا السلوك قد ارتبط بمكافأة وهي لفت الانتباه وبالتالي سيتكرر للحصول على مزيد من الانتباه.
والنقطة الثانية التي نوهت عليها زيدو هي بدء الحوار حول العلاقة بين الجنسين والاتفاق على حدود تلك العلاقة “حوار يتناسب مع عمر الطفل ومستواه طبعاً” ويكون حواراً هادئاً متعاطفاً ودوداً، حيث نساعد الطفل من خلاله الحصول على إجابات تدور بذهنه وأهم ما يتم التركيز عليه هو هذا الحوار حسب عمر الطفل ومستواه والمرحلة التي وصلت إليها هذه العلاقة.
وعن المطلوب منا كأهل نوهت زيدو إلى ضرورة توضيحنا لطفلنا الخط الفاصل بين الصواب والخطأ، وأن نعطيهم من المهارات والأخلاق والأفكار ، بما يساعدهم على الابتعاد عن الخطأ أو على العودة إذا ما وقعوا فيه.
وفي ختام حديثها أشارت إلى أن حب الطفولة هو اكتشاف للجنس الآخر أو تقليد لما يراه الطفل في وسائل التواصل الاجتماعي وفي التلفاز وفي الألعاب والعائلة أيضاً “أي تعلم بالنمذجة حيث يميل الطفل بشكل لا إرادي لتقليد ما يراه حوله من الأعمال الدرامية أو حتى ما يسمعه الكبار”.