رنا بدري سلوم
من منا لا يتصفح الفيسبوك باحثاً عن صورة طفله وهو متفوق، متصدّراً الصفحة الرسمية للمدرسة أو الروضة، ليقوم بمشاركة الرابط عبر صفحته الخاصة والمفاخرة به أمام الأصدقاء؟ في حين لا يجد الوقت المناسب لزيارته في المدرسة أو الروضة ومتابعته عن كثب؟ ذريعة ضيق الوقت وكثرة الضغوطات الحياتية، فهل حلّت حلقات التواصل الاجتماعي محل علاقاتنا التفاعلية التي تربطنا كأهل مع المدرسة في متابعة شؤون أطفالنا ليست التعليمية وحسب بل السلوكية والنفسية والتربويّة أيضاً؟!
«واتس آب » يتكلّم
ماذا درستم اليوم، لماذا لم تكتبوا الإملاء، أو تكملوا حل مسائل الرياضيات؟ وغيرها من أسئلة لم تعد إجابتها تخرج من فم الطالب بل عبر شاشة الجوال من خلال مجموعة الواتساب الخاصة بالمدرسة، هي حلقة وصل جميلة تربط بين الأهل والمعلم للحصول على المعلومة الوافية والإجابة عن أسئلة مبهمة تدور في ذهن الأهل، وهو ما جعل الكثير من الطلاب يعتمدون على هذه الوسيلة ولاسيما في المراحل العمرية الأولى التي لا يملك فيها الطفل القدرة الكافية على التعبير ونقل ما يتوجب نقله؟. مواقف حياتية كثيرة دعتنا للحديث عن أهمية تلك الصفحات، مع التنويه إلى ضرورة الحوار بين الطالب والأهل ولاسيما بعد عودته إلى المنزل، فجملة «افتحي مجموعة الواتساب وسترين ماذا أخذنا من دروس» قد تصدم الأم المتلهفة لسماع طفلها ماذا أخذ من واجبات، وإن تم إعطاؤه نجمة تقدير أو وسام امتياز لسلوكه الحسن وانضباطه في الصف أو لمشاركته وتفاعله الجيد مع المعلمة، هي نعمة إيصال المطلوب من الطالب والأهل، ونقمة قتل الحوار مع الأهل، فلا داعٍ للطالب أن يتكلم أو يشرح أو يعبّر، فقط ينفذ ما لُقن، وفي نفس الوقت يريح الأهل في المتابعة عبر جوالاتهم للحصول على المعلومة المنتظرة والصورة المصغرة التي تم تصوير الطلاب بها في يومٍ دراسيّ حافل.
التربية جوهر العلاقات
قد تخلق صفحات التواصل الاجتماعي التحدي والمثابرة في نفس الأهل قبل الطالب، ولاسيما عند تتويج الطالب المتفوق وتكريم المثالي، وعلينا أن نعترف أننا نقوم بمقارنة أبنائنا مع أقرانهم الطلاب الأكثر ذكاء، متناسين أن لكل منهم قدراته العقلية والفنية التي لابد من تنميتها، مغفلين أن المدرسة تبلور شخصية الطفل لا تعلمه فقط من خلال اكتساب مهارات حياتية كاحترام الآخر وتقبّل الاختلاف والتعاون والإصغاء والحوار وأمور تربويّة يتلقفها الطالب في المراحل الأولى من عمره والتي لا يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي إظهارها على حقيقتها، فعلى قدر جمالية تلك الوسائل السهلة والسريعة والمرنة في التواصل، على قدر غياب الجانب الآخر للطالب وهو برأيي الأهم، سلوكياته ومشاغباته ومشاجراته وحتى معاقبته من قبل إدارة المدرسة كل تلك السلوكيات التربوية قد لا تظهر للعلن، بل يظهر نقيضها على تلك الوسائل لتعزيز الجانب التربوي عند الطفل وتحفيزه لسلوكيات حسنة من خلال منح وسام للطالب النظيف، وتقدير للمهذب، وامتياز للمتفوق، وهنا يفتح الأهل باب التساؤلات الموجهة للمعلمة عبر شاشتهم الصغيرة! لماذا لم يحصل طفلنا على تلك الأوسمة؟ّ!.
للأهل غيابهم المؤثّر
تجيبنا المرشدة النفسيّة في مدرسة زيد بدران /حلقة أولى/ فائدة سلامة عن عدّة أسئلة تخلقها تلك النوعية من التواصل التي برأيها قد عززت حالة تفاعلية بين الأهل والمدرسة وخاصة للأمهات العاملات اللواتي لا تستطعن زيارة أبنائهن في وقت الدوام، مؤكدة سلامة أنه في المقابل لابد من إظهار الاهتمام بطفلها وتخصيص وقت لزيارته في المدرسة لكي تكون أكثر قرباً من المعلمة والمرشدة وعلى اطلاع بماهية سلوكه، مشيرة إلى مشاكل لا تحلها وسائل التواصل الاجتماعي ولا تظهرها أيضاً، كالخجل عند الطالب أو تعرضه للتنمر أو ممارسته التنمر، أو العنف اللفظي وحالات عدة يخلقها جو المدرسة المختلف كلياً عن أجواء المرحلة التحضيرية والتي يحتاج الطفل فيها إلى المساندة والدعم النفسي ليتخطاها من قبل الأهل أولاً من ثم إدارة المدرسة، مبينة سلامة أن الطفل في النهاية ليس آلة للتلقين والتنفيذ، الطفل يلاحظ مدى الاهتمام والمتابعة من ذويه ويتفاعل ويتعاطف مع كلمة صغيرة قد تحفزه ليقدم الأفضل دوماً.
وأوضحت المرشدة النفسية فائدة سلامة أن تقصير الأهل في زيارة أبنائهم في المدرسة قد يقلل من ثقتهم في نفسهم وبالتالي تظهر النتائج من خلال التقصير الدراسي لديهم، مؤكدة أن الإهمال أول طرق التقصير في التربية، فالتربية احتضان واحتواء واهتمام من قبل الأهل والمدرسة في آن، من ثم التعليم والمتابعة الدراسية التي تظهرها وسائل التواصل الاجتماعي في خلق صورة غير متكاملة بالمطلق عن طالب قد يبتسم في الصورة لكن في داخله الكثير من الهواجس النفسية والخواطر العارضة التي لا تظهر إلا بمتابعة الأهل وزيارتهم له لمعرفة الأجواء التي يعيش فيها والتي لا تنقلها تلك الوسائل، وفي نهاية حديثها تدعو سلامة الأمهات إلى زيارات متكررة إلى المدرسة، زيارة تسر خاطر طفلها وناظره أيضاً.