ديب علي حسن
ليس كل من فك الحرف وقرأ كتاباً أو مجموعة كتب أو نال شهادة ما مهما كانت عالية بمثقف..وأيضاً الأمر ينطبق على من يمتلك موهبة الكلام الذي يكون أقرب إلى الثرثرة والديباجة الفخمة التي لا تنضوي على معنى خصب.. بل هي كلام منمق وليس بعيداً عن ذلك قول العامة من الناس( فلان لتيت حكي وثرثري).
هذا قد ينسحب على قسم كبير ممن نطلق عليهم لقب (مثقفين) ويقدمون أنفسهم على أنهم كذلك …لا ترى لهم على أرض الواقع إلا الكلام الذي ما يكاد ينتهي حتى يذهب أدراج الرياح ولا قيمة له.
ينتظرون أي حدث مهما كان حتى يتنطحوا للمناوشة والمهاوشة والاشتباك الذي يريدونه بضجيج عال الجعجعة من دون طحين ..والمناوشة غير المهاوشة إذ تعني حسب المصطلح اللغوي
(وَالتَّنَاوُشُ، بِلَا هَمْزٍ، الْأَخْذُ مِنْ قُرْبٍ، وَالتَّنَاؤُشُ بِالْهَمْزِ مِنْ بُعْدٍ،
اما المهاوشة
: هاشت الإبل هوشاً: نفرت في الغارة فتبددت وتفرقت . وإبل هواشة : أخذت من هنا وهنا . والهوشة : الفتنة والهيج والاضطراب، والهرج والاختلاط، يقال: قد هوش القوم إذا اختلطوا : وكذلك كل شيء خلطته فقد هوشته).
في المشهد الثقافي معظمه لا كله ولاسيما في الفضاء الأزرق سنجد المهاوشة ومعها المناوشة..يتصدى من لايعرف ألف باء الثقافة لمناوشة مبدع كبير وتحت مصطلحات أصابها الصدأ..لا يقدم في مناوشاته الجاهزة فور وقوع أي حدث ثقافي لا يقدم شيئاً ذا قيمة..
هذا (ينبش تاريخ هذا المبدع) ويستحضر كل ما يمكن له أن يستحضره من أجل المزيد من الانتشار..
وذاك يدور ويربع المثلثات والمصطلحات ولا يقرأ أن الثقافي كحالة معرفية يمهد الجسور ويمدها بين الشعوب والحضارات شرط ألا تكون على حساب القيم الوطنية والكرامة.
أما في المهاوشة التي تدل على الاشتراك بين الجهتين نرى أن الخاسر فيها هو من يبدأ ولا يملك أدواته المعرفية والثقافية..
ويبدو أننا في ظل الأوضاع الثقافية والاجتماعية والسياسية وسطوة العالم الأزرق نعيش الحالتين ونبتعد عن فعل الخصب الثقافي الحقيقي الذي يعني القدرة على ترك الأثر التنويري في بنية المجتمع وبمعنى آخر المثقف الفاعل لا المنفعل الخصب لا البلاغي من يطحن القمح لا من يجعجع.