الثورة – لينا شلهوب:
في ظل المشهد المتوتر الذي خلفته الأحداث الدامية الأخيرة في محافظة السويداء، والذي له منعكساته على شتى المستويات، إلا أن مشاهد الحياة الطبيعية تنبعث من مدينة جرمانا بريف دمشق، إذ واصل الناس نشاطهم اليومي، وفتحت الأسواق والمحال أبوابها، وعاد الموظفون إلى أعمالهم كأنهم يرفضون السماح للقلق أن يوقف دوران عجلة الحياة.
صباح اليوم، بدت شوارع جرمانا نشطة كما في أي يوم اعتيادي، مع حركة مرور نشطة ومواطنين يتنقلون بين المحال التجارية، والمخابز، والدوائر الحكومية، المشهد لا يوحي على الإطلاق أن البلاد شهدت أحداثاً دامية في جنوبها خلال ساعات قليلة مضت.
الأسواق مزدحمة رغم الحذر
المارون في سوق الروضة أو شارع الحمصي في جرمانا، يلحظون الحركة النشطة للمحال التجارية والبائعين الذين يستقبلون الزبائن لعرض بضاعتهم لشرائها.
أبو كنان، صاحب محل لبيع المواد الغذائية في السوق، يقول: سمعنا وشاهدنا عبر وسائل التواصل عما يحدث في السويداء، وهو شيء مؤلم، إلا أن الحياة مستمرة بكل مجالاتها، والذي يعزز ذلك وجود الأمن والأمان في كنف الدولة، فرجال الأمن العام من أبناء سوريا يسهرون على حمايتها، لكن عجلة الحياة لا تتوقف.
بدوره أسعد الملك، صاحب محمصة، أشار إلى أن هناك نوعا من الحذر، ورغم ذلك الناس تمارس حياتها، وأعمالها، ونشاطاتها، وكذلك الدوائر فتحت بشكل طبيعي، علماً أنه على مدار اليومين الماضيين كان هناك رسائل استفزازية، ورسائل ترهيب، إلا أنه في هكذا أوضاع، تنتشر الاشاعات، وما علينا أن نتحلى بالعقل ونلجأ إلى التوعية.
وجعهم وجعنا..
في جولة سريعة بين محال جرمانا، لا يقتصر الحديث على البيع والشراء، بل يمتد ليشمل ما يجري في السويداء، والتعاطف مع الأهالي هناك، فالألم مشترك لا يعرف حدوداً إدارية أو مسافات، فالتجار وأصحاب المحال لا يتعاملون مع الحدث من منظور خارجي، بل يرونه جزءاً من معاناة وطنية واحدة.
أبو يوسف، صاحب محل للملابس في شارع الروضة، يقول: كلنا أهل، ووجع السويداء هو وجع جرمانا، كما أنه وجع كل سوري، لكن يفترض أن نحافظ على لقمة العيش، وينبغي على أصحاب المحال الاستمرار بفتح محالهم.
أما أم تامر، التي تدير محلاً صغيراً لبيع الخضار، فتقول بصوت منخفض مليء بالحزن: أصبحنا نشعر أن كل بيت في سوريا بات فيه حزن، لكن ذلك لن يثنينا عن متابعة حياتنا، على العكس لابد من إثبات أن الشعب السوري جبار ومتماسك، نحن مجتمع واحد، وكل شخص في هذا البلد يتأثر بالآخر، وما يحدث هنا أو هناك نتأثر به جميعاً.
من جهته، يؤكد حسام، صاحب مقهى صغير، أن الحديث في محله لا يخلو مما يجري في السويداء، مبيناً أن الزبائن يتبادلون الأحاديث حول ما يجري، والجميع محزون ومرتاب، إلا أنه بذات الوقت روح التضامن والمحبة موجودة، وهي تترافق مع إكمال مسيرة الحياة، لافتاً إلى أن مدينة جرمانا فيها كل الطوائف، وكلنا نتعامل مع بعض من دون تفرقة، و نعيش مع بعض، وهذا الشيء يعطينا أملاً أن نبقى متماسكين رغم كل شيء.
الدوام مستمر
ومنذ ساعات الصباح الباكر، توجّه الموظفون في جرمانا إلى دوائرهم، بما في ذلك مديريات الخدمات، والتعليم، والمراكز الصحية، التي فتحت أبوابها لاستقبال المواطنين، المدارس ونوادي الأطفال، كذلك لم تسجّل أي حالة غياب، في مؤشر على أن الأهالي يشعرون أن الوضع مستقر في محيط المدينة، جراء حالة الأمان التي يشعرون بها.
فيما أوضحت سناء بريك- موظفة، أنه لا وجود لأي تعليمات بإغلاق المؤسسات، والأوضاع مستقرة، حتى وسائل النقل متوفرة كالعادة، منوهة بأنه ربما هناك قلق ما، لكنه ليس لدرجة توقف الناس عن الذهاب إلى أعمالهم.
لا للخوف
رغم هذه المشاهد الطبيعية، لا يمكن إنكار أن الأحداث في السويداء ألقت بظلّها النفسي على سكان جرمانا، وخلقت شعوراً بالقلق العام، خصوصاً بسبب التقارب الجغرافي بين المحافظتين، وترابط المجتمع الأهلي في بعض القرى والمناطق، إذ يرى مازن أبو فخر، شاب ثلاثيني من سكان المدينة، أن الجميع متأثّر نفسياً، خصوصاً أن كثيرين في جرمانا لهم أقارب أو معارف في السويداء، إلا أنه بالمقابل هناك وعي، والناس لن تستسلم للخوف.
وتضيف خواطر مرشد موظفة في قطاع التعليم: الوضع في جرمانا تحت السيطرة، ولا أي شيء على الأرض يجبرنا أن نوقف حياتنا ونشاطاتنا، نحن نتابع الأخبار لحظة بلحظة.
الهدوء قوة
بين الألم والتحدي، وبين الخوف والإصرار على الاستمرار، تسير جرمانا في يومها كعادتها: مدينة نشيطة، تمضي في طريقها رغم كل شيء، وفي هذا، رسالة واضحة مفادها أن الحياة أقوى من الخوف، وأن الاستقرار لا يعني إنكار الألم، بل مواجهته بعقلانية وأمل، وفيما يبقى المشهد في السويداء محل قلق ومتابعة، تبقى مدن مثل جرمانا شاهدة على قدرة السوريين على التوازن بين الحزن على ما جرى، والإصرار على ألا تنكسر الحياة.