الثورة – سهى درويش:
أفكار وأوهام، بلاء وافتراء، فتن وتفرقة، أدواتها عالم افتراضي، بمؤازرة أشخاص موّجهين مأجورين، وغايتها أجندات لا حدود لموطنها، تتسرب من كل حدب وصوب، ويكفيها حدث بسيط، ليُقولَب وفق رؤية مشغليها، وينتشر بما يخدمهم، ولعلها الحرب الأخطر والأشدّ، وهي الشائعات التي يصنعها أعداء الدولة والاستقرار، سواء أكانوا جهات خارجية أم أطراف داخلية تسعى لضرب الوحدة الوطنية.
والشائعة يتلقفها ناقم، وينشرها جاهل، ويصدقها غبي، لتستشري خطورتها كالوباء، وتحديداً في زمن الحروب والكوارث والأزمات، وبأنواعها الزاحفة والغائصة لتكوّن رأياً عاماً موّجهاً يستثمر في غاية مروّجها.
مصدر المعلومة
السيّدة إلهام أحمد- ربة منزل قالت: إنها تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي التي تكّون رأيها منها.
أما الطالب همام محمود، فقد أكّد أن مواقع التواصل الاجتماعي عامل إيجابي لسرعة نقل أي معلومة، ويبقى للتفكير والوعي دور في مدى مصداقيتها، وأمام الكم الهائل للصفحات نبحث عن الأكثر موثوقية.
المهندس مأمون عدي، أشار إلى ضرورة وجود قنوات إعلامية تتسم بالسرعة في نقل المعلومة ولو بمعلومات أولية بينما يتضح الحدث، وبذلك تشكّل مرجعاً للمعلومة.
الشائعة ظاهرة اجتماعية خطيرة
وفي حوار لـ”الثورة” مع رئيس قسم علم الاجتماع الدكتورة إيفا خرما حول الشائعات، رأت أنه في كل مجتمع هناك خيوط غير مرئية تنسج بين أفراده علاقات الثقة والتعاون والانتماء.
لكن في زمن السرعة والتكنولوجيا، باتت هذه الخيوط مهددة بما يُعرف بـ”الشائعة”، ذلك العدو الخفي الذي يتسلل بين الناس ويهدم في لحظات ما بُني في سنوات.
والشائعة ليست مجرد خبر غير موثوق يتم تداوله، بل هي ظاهرة اجتماعية خطيرة تحمل في طياتها قدرة هائلة على تفكيك العلاقات، وزرع الشك، ونشر الفوضى.
تبدأ من كلمة عابرة، أو منشور على موقع تواصل، لكنها سرعان ما تتحول إلى نار تنتشر في الهشيم، خاصة حينما تتغذى على مشاعر الخوف أو الغضب أو الفضول.
عدو في ثوب الحقيقة
أشارت د. خرما إلى أن المجتمعات التي تفتقر إلى وعي معلوماتي، أو التي تعاني من ضعف في الثقة بين أفرادها ومؤسساتها، تكون أرضاً خصبة للشائعات، ولعل أخطر ما في الشائعة أنها تتخفّى في ثوب “الحقيقة”، وتجعل المتلقي يظن أنه يعرف ما لا يعرفه غيره، فتتولد لديه رغبة في الترويج والمشاركة، بدافع الحذر أو التنبيه و حتى الفضول.
أثر الشائعات
ولفتت خرما إلى الأثر الاجتماعي للشائعة، والذي لا يقتصر على القلق أو القيل والقال، بل يمتد إلى تشويه السمعة، وتعكير صفو العلاقات الأسرية والاجتماعية، وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى الانقسام المجتمعي وازدياد التوتر بين فئات الناس. فقد تسبب شائعة عن مرض، أو عن شخص، أو حتى عن قرار حكومي، في خلق حالة من الهلع أو العداء أو التخبط الجماعي.
وأوضحت أن الشائعة تنمو في بيئة غامضة، فإن أفضل وسيلة لمكافحتها هي الشفافية والوعي، إضافة إلى نشر ثقافة “التثبّت”، ولاسيما في المدارس، والجامعات، ووسائل الإعلام.
كما يجب تشجيع الأفراد على السؤال عن مصدر الخبر، وليس الاكتفاء بترديده، فكل فرد مسؤول عما ينشره وما يساهم في تداوله.
خطورة الكلمة
وأكّدت الدكتورة خرما أن الشائعة ليست فقط قضية إعلامية، بل هي مسؤولية مجتمعية تتطلب تربية على التفكير النقدي، واحترام خصوصيات الآخرين، وعلى إدراك خطورة الكلمة في عالم بات فيه “الخبر الكاذب” أسرع انتشاراً من الحقيقة.
وباعتبار الشائعات ظاهرة نفسية اجتماعية فهي تظهر كتعبير عن الأحداث والظروف المحيطة.
أوضحت الدكتورة خرما أنه لا يكاد يختلف باحثو الشائعات حول كونها أفتك أسلحة الحرب النفسية سواء في أوقات الحرب أم السلم، وعلى مستوى الأفراد والمؤسسات والدول، إلى درجة تكاد تجعلها حرباً نفسية قائمة بذاتها.
فالشائعة، وخصوصاً في أوقات الأزمات تحدث اضطراباً واسع المدى، وكثيراً ما يتسارع انتشارها وتتسع رقعتها وتفعل فعلها قبل الانتباه لأغراضها ومواجهتها.
أمام ما نشهده من وجود آلاف الحسابات التي تعمل على نشر محتوى مضلل، تبقى المؤسسات الإعلامية الرسمية التي تعمل على نقل الحقائق بمهنية، وتقديم المعلومة الموثوقة بعيداً عن التضليل لديها الوثوقية، تبقى منهلاً مباشر للمعلومة، وقادرة على توصيفها واستخدامها، كي لا تبقى الشائعات وجه الحروب الآخر واستراتيجية ممنهجة لإعلام مضلل.