هفاف ميهوب:
في كتابه «قصصٌ لا ترويها هوليود مطلقاً»، يشير المؤرخ والسياسي الأميركي «هوارد زن»، إلى أنه من المنتقدين للسياسة الأميركية، ومن المناهضين للحروب التي تشنّها لغايات وأطماع شخصية، وبأن ما يهدف إليه من كتابه هذا: «إنتاج أفلام بإمكانها جعل فكرة الحرب مرفوضة ومقرفة للناس»..
يشير إلى ذلك، وإلى أن مئات بل آلاف الأفلام التي أنتجتها السينما الهوليودية عن الحرب، هي أفلام مخادعة في تجسيدها لصورِ البطولات التي وإن بدت خارقة، إلا أنها كاذبة ولا تُظهر الحقائق ولا الأخلاق الرأسمالية المتوحشة..
هذا ما بيّنه في غالبية كتاباته، مثلما في هذا الكتاب الذي كان هدفه منه، إظهار حقيقة الولايات المتحدة بعيون أبناء الطبقة العاملة والملوّنين والجنود الذين كانوا ضحايا سياستها، لا بعيون النخبة في البيت الأبيض والبنتاغون، أو الشركات الاقتصادية العملاقة..
إنها الحقائق التي دفعه إحساسه بأنها مؤلمة وغير إنسانية، لخلع صفة البطولة عن أميركا، مثلما لتوثيقِ ممارساتها وجرائمها بحقّ حتى أبنائها.. توثيق ما تمارسه بحقّهم من ظلمٍ وسلبٍ ونهبٍ وقتلٍ وتمييزٍ عنصري، إضافة إلى ما تشنّه من حروبٍ، وما تقوم به من إبادات جماعية..
أما عمّا اعتمده لتوثيق كلّ هذا، فالدراسات والمقالات المنسيّة والمهملة.. أيضاً، شهادات الناس العاديين، والسود والعبيد والنساء والجنود والعمال والفلاحين، وضحايا الحكومات التي تعاقبت على الولايات المتحدة..
هذا ما اعتمد عليه «زن» لتوثيق التاريخ الإجرامي لأميركا، ولاسيما تجاه «الهنود الحمر». السكان الأصليون، ممن تعرّضوا لأبشع الإبادات، وممن برهنت الشهادات التي تتعلّق بهم، بأن الحقيقة كلّها:
«الحقيقة أن كولومبس كان متهوراً إلى حدِّ العمى، وكذلك من أتوا بعده.. كان همّه الذهب الذي دفعه لارتكابِ ما لا يُغتفر من الجرائم ضد الهنود، وقد حرم الأرض التي كانت عظيمة وخصبة من أهلها»..
أيضاً، في مقالاته السياسية والأدبية، بل ورواياته التي منها «العراة والموتى» يجسّد الكاتب والروائي الأميركي «نورمان ميللر» تمرده على أميركا، ومعارضته لحروبها ضد الشعوب، بل وللظلم والقمع والملاحقة وغير ذلك من الممارسات الإجرامية التي قامت بها، وطالت حتى أبناء شعبها.
جسّد «ميللر» كلّ ذلك، معتبراً أن سبب ممارساتها هذه: «انكسار قوّة أميركا في اعتداءات 11 سبتمبر، وإخفاقها في حلّ جميع مشاكلها، وسعيها الهستيري لردِّ اعتبارها، عبر شنِّ الحروب..».
إنه ما جعله لا يرفض الحرب على «فيتنام» و«العراق» فقط، بل ويعارضها ساخراً من أميركا، معتبراً بأنها: «مهيمنة اقتصادياً لكن ضعيفة إبداعياً وثقافياً، ويسودها الجشع والغرور الهزلي القاتل».
هذا ما اعترف به، وما دفعه إلى التصريح بكرهه لها، ولديمقراطيّتها التي جعلته يشعر بأنها: «تتعرض للاستغلال والتلطيخ في الوحل».
التالي