العرب و”حرارة العالم” المرتفعة
افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة
متغيرات عدة يشهدها العالم، سواء لجهة تكتلاته السياسية أم الاقتصادية، يرافقها كمٌّ هائلٌ من تحليلات الخبراء، في الغرب والشرق، تشي بالتسارع نحو ولادة نظام دولي جديد، يطوي صفحة الأحادية القطبية، التي جعلت الولايات المتحدة تهيمن على مقدرات الدنيا لعدة عقود أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي، ومكنتها من السطو على قرارات المنظمات الدولية.
مع كل تلك المتغيرات الساخنة من المفترض على العرب أن يجدوا لأنفسهم مكاناً تحت شمس الخارطة الجديدة، يضمن لهم صوتهم ومصالحهم، وبما يتناسب مع موقعهم وإمكاناتهم، على عكس ما جرى لهم من تهميش خلال الزمن الماضي.
الوقائع على الأرض، والأحداث الملتهبة في شرقها وغربها، تؤكد أن التغيير في خارطة العالم “الجيوسياسية” سيتم على يد من له “اليد الطولى” في لوحة الاقتصاد الدولي، ويرشح الخبراء الصين لتلك الصدارة، ويستطردون بأن من يسيطر على منطقتي المحيطين الهندي والهادي وبرّهما، وعلى منطقة “أوراسيا” وشرايين الطاقة التي تخترقها، هو الذي سيتحكم باللوحة، ويرشحون لتلك المهمة الصين أيضاً، ولكن معها روسيا، اللتين تتحالفان في تلك البقعة الجغرافية، وتجريان المناورات البحرية بين الفينة والأخرى في طولها وعرضها، انطلاقاً من مصالحهما المشتركة، التي تتناقض مع مصالح أميركا.
صحيفة إيطالية هي “إنسايد أوفور” كانت مؤخراً من أنصار هذا الاتجاه، الذي يتوقع مشهداً دولياً جديداً، حين كتبت أنه يتم تشكيل ما سمّته “مثلث الموت” في منطقة المحيطين المذكورين، وتقصد بأضلاعه “الصين وروسيا وكوريا الشمالية”، وذلك في تهديد واضح لهيمنة واشنطن هناك، التي تحاول افتعال أزمة كبرى في مضيق تايوان، بل حرب كبرى، وإجبار الصين على خوضها، لمنع تشكيل المثلث المذكور.
أنصار هذا الاتجاه يرون أن ثمة تغييرات عالمية خطيرة تحدث الآن على الساحة الدولية، نتيجة للحرب في أوكرانيا، ولأسباب أخرى مالية واقتصادية وسواها، ما سيرفع “درجات الحرارة” ليس في منطقتي المحيطين الهندي والهادي، بل في المعمورة برمّتها، ولم يقصدوا هنا درجات المناخ بالطبع، بل درجات التوتر السياسي والعسكري، وعلى أكثر من جبهة جغرافية على امتداد القارات.
ولعل أكثر ما يؤيد وجهة النظر هذه الحساسية الأميركية المفرطة تجاه كل تحركات الصين السياسية والاقتصادية، سواء حول تايوان أم ما يتعلق بمبادرة “الحزام والطريق” التي تؤسس لإحياء صورة العالم أيام طريق الحرير بقيادة صينية، والتي انضمت إليها 150 دولة و32 منظمة دولية، لتصبح أوسع منبر دولي، وحالة دولية ما مفترضة لعالم ما بعد “القطبية الأحادية”، التي تحاول واشنطن الإبقاء عليها، وفرض قوانينها ورؤاها على الآخرين، من خلال هيمنة نظامها المالي العالمي القائم على الدولار، ومن خلال سطوتها العسكرية.
فهل نشهد مثل تلك الولادة فعلاً؟ وهل سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً؟ هل هي إشارات انتهاء الهيمنة الأميركية على العالم؟ هل نرى واقعاً جيوسياسياً جديداً في المعمورة، يرخي بظلاله على الشعوب، ويكون أكثر عدالة لها، وأضمن أمناً لأجيالها؟ كيف ستقاوم واشنطن ظهوره؟ كيف ستحقق مرادها؟ بنشر الفوضى وإشغال الدول والحكومات بالأزمات وإشعال الحروب، أم بتراجع القوى الصاعدة عن طموحاتها؟
والأهم من كل هذا بالنسبة لنا كعرب، أين موقعنا في هذه اللوحة؟ ماذا أعددنا وماذا في جعبتنا؟ وهل ندخلها فرادى، أم بصوت واحد ومجتمعين على رؤية واحدة؟ وبمعنى آخر هل سنتعامل معها كل حسب ارتباطه بأطراف اللوحة كما كنا، ونبقى بالتالي الخاسر الأكبر بين أطراف العالم؟ أم إن مصلحتنا تتطلب التفكير برؤى جديدة ومن خارج الصندوق الحالي؟.