“قشور الحضارة”

الحضارة تعني الارتقاء والتقدم في كل جوانب الحياة، وهي لا تقف عند حدود البناء، والتطور التقني بل إنها تتعدى ذلك إلى السلوك، وكيفية التعامل مع الآخر، أو إنها جوهره، ولا تنفصل عنه، فالتحضر ضرورة لازمة للاستمرار في صعود سلم الحضارة.

والسلوك الحضاري هو من العوامل الأساسية التي تساهم في تطور المجتمعات، وتقدمها، إذ يعمل على تعزيز العلاقات الاجتماعية، والثقافية بين الأفراد، كما يعمل على تعزيز التعاون، والتضامن فيما بينهم، ما ينعكس بدوره إيجابياً على تحقيق التنمية بجوانبها الاقتصادية، والاجتماعية في المجتمع.

إن من أهم أهداف السلوك الحضاري التعايش السلمي بين الأفراد، والحفاظ على الحقوق والواجبات في آنٍ معاً، وتجنب ممارسة أي سلوك يمكن أن يؤدي إلى العنف، أو الفوضى داخل المجتمع، وهو ما يعتبر من أبرز سمات التحضر ذلك لأنه يؤدي ببساطة إلى تحسين جودة الحياة في مختلف المجالات الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، كما أنه يساهم في إنشاء بيئة آمنة، متوازنة، ومستقرة للأفراد، وللمجتمع بشكل عام تتحقق فيها العدالة والمساواة.

وإذا كانت الأخلاق والقيم الحضارية متوافقة مع التطور العلمي والتكنولوجي، والاقتصادي، فإن ذلك مما يساعد على تسريع التطور، والتقدم في المجتمع وتعزيزهما، ويعمل على تطور البشرية، وزيادة قدراتها في جميع المجالات.

ومما يجدر التأكيد عليه هو أن الحضارة هي قيمة متعددة الأبعاد، تشمل الأخلاق، والسلوك، والتعامل مع الآخرين، والكثير من المجالات الأخرى، إلا أننا قد نجد من الناس مَنْ يدرس في أرقى المدارس والجامعات، ويلبس أغلى ثياب الماركات العالمية ويتزين بعطورها، ويرتاد أفخم الأماكن العامة، ويركب السيارات الفارهة، ويتعامل مع التقنيات الحديثة بمهارة، وسهولة، وذكاء، إلا أنه لا يعكس ذلك في سلوك متحضر يمارسه تجاه الآخرين، فلا يؤذيه انتهاك حقوقهم، أو التعدي على حدودٍ لهم لا يجوز له مجرد الاقتراب منها، فلكل من التربية الأسرية، والبيئة المحيطة بالفرد، والثقافة التي يتلقاها من المدارس، والجامعات كما من الحياة، دور في صياغة سلوك المرء بينما وسائل الإعلام تعزز، والقوانين والتشريعات تضبط، والتكنولوجيا تؤثر في العلاقات المتبادلة بين الأفراد والمجتمع.

فاحترام الآخرين وتقديرهم، وعدم التجاوز عليهم، وعلى حقوقهم هو تحضر، وكذلك هو الصدق في القول والعمل، كما العدل والمساواة، والعطاء، والتسامح، والانضباط في السلوك، والالتزام بالقوانين الناظمة، ونظافة الشارع أيضاً وبعد دخول التكنولوجيا التي تقوم على الإبداع، والابتكار إلى كافة مجتمعات العالم أصبح التحضر لزاماً عليها ليسير التطور في مساره الصحيح.

فلحضارة تاريخ بعيد في ذاكرة المجتمعات البشرية وهو طريق له اتجاه واحد فقط، تدعمه المثل، والاخلاق المستقاة من الأديان جميعاً بما ترسيه من قيم، وضوابط للسلوك هي الأساس لكل ما يأتي بعدها من أجل أن ينبع التحضر طواعية من النفس بوازع أخلاقي يردع، وليس خوفاً من العقاب إذا ما اختل الميزان.

ولما كان الغرب، وحضارته ليست وليدة الساعة، يمكن وصفه بالمتحضر لأن العلاقات الإنسانية فيه تسير وفق ما اتُفق عليه من أسس لتعامل الناس بين بعضهم بعضاً، ووفق ما يقتضيه تطوره المتنامي، فإننا في الوقت ذاته لا يمكن لنا أن نبرر له تجاوزات تتمثل في فكرة استعمار الشعوب، ونهب ثرواتها، وهي ليست من قيم الحضارة الحقة، أو وجهها الأمثل.

ومع ذلك فمادام السلوك الحضاري الحقيقي الذي هو عنصر أساسي في بناء المجتمعات يعكس الأخلاق، والقيم لدى الأفراد فإنه يعبّر بالتالي عن مدى تقدم المجتمع، ونضجه الثقافي، وهنا يحق لنا السؤال: أين هو التحضر إذاً ما لم يظهر في الممارسة السلوكية العادية، واليومية، وفي عدم انتهاك قيم الحضارة الأساسية؟ بل إنه إذا ما تعدى ذلك لا يعدو كونه ادعاءً للحضارة، وتمسكاً بقشورها فقط.

 

 

آخر الأخبار
صيانة عدد من آبار المياه بالقنيطرة  تركيا تشارك في إخماد حرائق ريف اللاذقية بطائرات وآليات   حفريات خطرة في مداخل سوق هال طفس  عون ينفي عبور مجموعات مسلّحة من سوريا ويؤكد التنسيق مع دمشق  طلاب التاسع يخوضون امتحان اللغة الفرنسية دون تعقيد أو غموض  إدلب على خارطة السياحة مجدداً.. تاريخ عريق وطبيعة تأسر الأنظار سلل غذائية للأسر العائدة والأكثر حاجة في حلب  سوريا تفتح أبوابها للاستثمار.. انطلاقة اقتصادية جديدة بدفع عربي ودولي  قوات الأمن والدفاع المدني بوجٍه نيران الغابات في قسطل معاف  قضية دولية تلاحق المخلوع بشار الأسد.. النيابة الفرنسية تطالب بتثبيت مذكرة توقيفه  بعد حسم خيارها نحو تعزيز دوره ... هل سيشهد الإنتاج المحلي ثورة حقيقية ..؟  صرف الرواتب الصيفية شهرياً وزيادات مالية تشمل المعلمين في حلب  استجابة لما نشرته"الثورة "  كهرباء سلمية تزور الرهجان  نهج استباقي.. اتجاه كلي نحو  الإنتاج وابتعاد كلي عن الاقتراض الخارجي  الهوية البصرية الجديدة لسوريا .. رمز للانطلاق نحو مستقبل جديد؟ تفعيل مستشفى الأورام في حلب بالتعاون مع تركيا المؤتمر الطبي الدولي لـ"سامز" ينطلق في دمشق غصم تطلق حملة نظافة عامة مبادرة أهلية لحفر بئر لمياه الشرب في معرية بدرعا السيطرة  على حريق ضخم في شارع ابن الرشد بحماة