الثورة – ترجمة ختام أحمد:
بينما تعمل الولايات المتحدة للحفاظ على العالم أحادي القطب الذي تقوده، فإن عالماً متعدد الأقطاب ينتشر في كل مكان حولها.
جنوب أفريقيا والبرازيل، تدعمهما روسيا والصين والهند، وتنضم إيران والمملكة العربية السعودية إلى منظمة شنغهاي للتعاون متعددة الأقطاب، ربما يكون النمو الهائل لبريكس هو أكثر علامة مدهشة لواقع العالم متعدد الأقطاب الجديد.
“بريكس” منظمة دولية هدفها الأساس تحقيق التوازن بين الهيمنة الأمريكية في عالم جديد متعدد الأقطاب، تعود جذورها إلى عام 1996 وظهور المجموعة الأساسية لروسيا والهند والصين (RIC).
في عام 2009 عقدت بريكس قمتها الأولى ومع البرازيل في عام 2010، ثم انضمت جنوب إفريقيا وتم تشكيل بريكس، مما يجعلها المنظمة الدولية الرئيسة الوحيدة التي يتمتع فيها ممثلو إفريقيا وأمريكا اللاتينية بصوت متساوٍ.
“بريكس” ليست تحالفاً ولا كتلة وليست ضد الولايات المتحدة، لكنها تسعى إلى إنهاء العالم أحادي القطب بقيادة أمريكا واستبداله بعالم متعدد الأقطاب وفيه العديد من الدول ذات الأصوات المتساوية، مع وجود أعضاء من كل قارة تقريباً، تمثل دول بريكس 3.2 مليار شخص، أو ما يقرب من 41 ٪ من سكان الكوكب.
وهذا التوازن آخذ في الازدياد، في الاجتماع الأخير لوزراء خارجية دول بريكس تم الترحيب بإندونيسيا وكازاخستان ومصر ونيجيريا والسنغال وتايلاند كضيوف، وتسعى تركيا العضو في الناتو للحصول على العضوية.
في قمتهم السنوية التي ستعقد في شهر حزيران المقبل في جنوب إفريقيا، سيناقش أعضاء بريكس الخمسة التوسيع والدول التسعة عشر التي أعربت عن اهتمامها بالانضمام، وقد طلبت ثلاثة عشر دولة رسمياً العضوية في المنظمة متعددة الأقطاب، وقدمت ستة دول طلبات غير رسمية، فقد طلبت إيران والمملكة العربية السعودية رسمياً العضوية، ومن المعروف أن الأرجنتين والإمارات العربية المتحدة، والجزائر، ومصر، والبحرين، وإندونيسيا، أعلنت جميعها اهتمامها بالانضمام، وتمثل هذه القائمة 600 مليون شخص آخر، وستدفع حصة دول بريكس من سكان العالم إلى ما يزيد عن 41٪.
وبحسب ما ورد تشمل القائمة المكسيك وثلاث دول أفريقية أخرى على الأقل، وسبق أن قالت روسيا: إن باكستان وبنغلادش ونيجيريا والسودان وفنزويلا مدرجة أيضاً في القائمة.
لكن نمو بريكس لا يقتصر على العضوية ونصيب سكان العالم، كان يُعتقد أنه من المستحيل أن تنشأ المجموعة قبل بضع سنوات فقط، فقد تجاوزت مجموعة بريكس الآن مجموعة السبع التي تقودها الولايات المتحدة باعتبارها أكبر كتلة ناتج محلي إجمالي في العالم.
ففي عام 2021 بلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدول البريكس 42 تريليون دولار، أو 31.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقابل 41 تريليون دولار أو 30.7٪ لمجموعة السبع G7، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه بالنمو كما أفادت بلومبرج أنه وبناءً على أحدث بيانات صندوق النقد الدولي في عام 2023 ستساهم بريكس بنسبة 32.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي مقابل مساهمة مجموعة السبع بنسبة 29.9٪.
في عام 2014 أطلقت مجموعة بريكس مصرفها الخاص “بنك التنمية الجديد” كبديل للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وغالباً ما تأتي المساعدة المالية من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الخاضعين للسيطرة الغربية مصحوبة بإملاءات للمواءمة الأيديولوجية أو التعديلات الهيكلية الاقتصادية أو السياسية.
وقد أوضح الرئيس البرازيلي والعضو المؤسس لبريكس لولا دا سيلفا أن بنك التنمية الجديد، هو نتاج شراكة بين دول البريكس بهدف خلق عالم أقل فقراً وتفاوتاً ومزيداً من الاستدامة، على عكس صندوق النقد الدولي الذي اتهمه سيلفا بخنق اقتصادات الدول.
وبحسب ما ورد من بنك البريكس، ووفقاً لوزارة الخارجية الصينية فقد تمت الموافقة على 99 مشروعاً، وقروضاً يبلغ مجموعها أكثر من 34 مليار دولار، خاصة لمشاريع البنية التحتية.
إن أهمية بريكس تجاوز تأثيرها الاقتصادي دولها إلى العالم، فقد كان يُنظر إليها في الأصل على أنها ترياق للهيمنة الأمريكية في الشؤون الدولية، حيث دعا العديد من أعضاء بريكس إلى عملة البريكس كآلية لتحرير أنفسهم من الهيمنة الأمريكية.
كان لأعضاء البريكس تأثير كبير في الشؤون العالمية، بما في ذلك استجابة العالم للحرب الروسية في أوكرانيا والدفع نحو التعددية القطبية، فقد انتقد الرئيس البرازيلي الولايات المتحدة لتشجيعها الحرب في أوكرانيا بدلاً من الحديث عن السلام، كما تحدى الولايات المتحدة من خلال القبول الإيجابي للاقتراح الصيني للمساعدة في التوسط من أجل السلام في أوكرانيا وتأييد التعددية القطبية من خلال اقتراح جهد مشترك أو نادي سلام، يمكن أن يشمل أعضاء بريكس.
لم تنضم البرازيل إلى الولايات المتحدة في معاقبة روسيا ولم تصوت ضد روسيا في الأمم المتحدة، لقد كان لولا سيلفا مروجاً شرساً لتعدد الأقطاب ونظام دولي أكثر عدلاً وإنصافاً، وقد دعا إلى تعددية الأطراف، وإلى تعزيز بريكس والمؤسسات المتعددة الأطراف الأخرى.
كما اقترح لولا سيلفا أن بنك بريكس لديه عملة لتمويل التجارة بين البرازيل والصين،و بين البرازيل ودول بريكس الأخرى، حتى لا تضطر البلدان للبحث عن الدولارات لتصديرها في حين أنها يمكن أن تصدر بعملاتها الخاصة.
كما رفضت الهند إدانة روسيا في الأمم المتحدة، وبعيداً عن معاقبة روسيا، زادت الهند وارداتها من روسيا، وخاصة النفط، مما أدى إلى انتقال روسيا من المرتبة الثامنة عشرة بين أكبر شريك استيراد للهند إلى رابعها.
وقال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي: إن العلاقات بين روسيا والهند تحسنت بشكل ملحوظ، ووصفت الهند علاقتها مع روسيا مؤخراً بأنها من بين العلاقات الأكثر ثباتاً في العالم في العصر المعاصر. وكررت الهند التزامها بعالم متعدد الأقطاب، مثل شريكتها في مجموعة بريكس البرازيل.
لقد سعت الهند إلى خفض قيمة الدولار الأمريكي من خلال تشجيع التجارة مع الروبية والبدء في شراء بعض من نفطها الروسي بالروبل الروسي، ودعمت الصين روسيا دبلوماسياً في الأمم المتحدة واقتصادياً من خلال منحها متنفساً من نظام العقوبات.
في حين تضخم حجم التجارة بين الصين وروسيا إلى 190 مليار دولار سنوياً، و لم يقم الرئيس الصيني شي جين بينغ بإعادة التأكيد على الطبيعة الخاصة للشراكة الروسية الصينية فحسب، بل وقع بياناً حول تعميق الشراكة الإستراتيجية والعلاقات الثنائية التي تدخل حقبة جديدة. بينما رفضت جنوب إفريقيا الضغط الأمريكي للانضمام إلى نظام العقوبات، وامتنعت عن التصويت ضد روسيا في الأمم المتحدة، كما أجرت جنوب إفريقيا تدريبات عسكرية مشتركة مع روسيا والصين قبالة سواحلها، وقالت قوة الدفاع الوطني لجنوب إفريقيا: إن التدريبات هي وسيلة لتقوية العلاقات المزدهرة بالفعل بين جنوب إفريقيا وروسيا والصين.
كما انضم رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامفوسا إلى الجوقة المضادة للدعوات لإجراء مفاوضات في الحرب، وانتقد الولايات المتحدة قائلاً: كان من الممكن تجنب الحرب إذا استجاب الناتو للتحذيرات من قادته ومسؤوليه على مر السنين بأن توسعه شرقا سيؤدي إلى عدم استقرار أكبر في المنطقة.
مثل بقية شركائها في البريكس، واصلت جنوب إفريقيا الدعوة إلى عالم متعدد الأقطاب.
ونظراً لتزايد حجمها وقوتها الاقتصادية، تعمل دول البريكس على تضخيم صوت الأغلبية العالمية في الدعوة إلى عالم متعدد الأقطاب.
المصدر – أنتي وور