نادي الشهباء للفروسية بحلب .. إرادة تعيد للحصان صهيله وللمدينة روحها

الثورة – جهاد اصطيف:
في قلب مدينة حلب، حيث تختلط رائحة التراب العابق بتاريخ ضارب في الجذور، مع أصوات صهيل الخيول، يعود نادي الشهباء للفروسية بحلب ليبعث برسالة صمود وأمل بعد سنوات عصيبة عاشتها المدينة جراء الحرب والدمار، هذا النادي العريق، الذي شكل على مر العقود فضاءً لهواة الفروسية ومحبي الخيل الأصيلة، يستعيد اليوم أنفاسه تدريجياً بفضل جهود المعنيين والمخلصين لهذه الرياضة النبيلة.

نادٍ عريق

منذ تأسيسه، لم يكن نادي الشهباء مجرد مكان للتدريب أو ممارسة الهواية، بل كان مدرسة متكاملة لتعليم أصول الفروسية، وتخريج فرسان حملوا راية هذه الرياضة محلياً وعربياً، ومع ذلك فإن السنوات الماضية تركت أثرها الثقيل على النادي، حيث طالت الحرب بنيته التحتية ومرافقه الحيوية، الأمر الذي أدى إلى تراجع مستوى النشاطات، وتقلص أعداد الخيول والمتدربين، لكن ما يلفت الانتباه اليوم  إصرار العاملين فيه والمهتمين برياضة الآباء والأجداد على إعادة الروح إلى هذا الصرح الرياضي، وإحياء تقاليد الفروسية التي طالما ارتبطت بالكرامة والشجاعة والأصالة العربية.

استئناف نشاطاته

رئيس لجنة إدارة نادي الفروسية بحلب هاروت برداقجيان أكد في بيان، أن العمل جارٍ بوتيرة متواصلة على إعادة تأهيل الميدان، وترميم المرافق المتضررة، بما يسمح باستئناف النشاطات بصورة تدريجية، ويضيف: إن عودة الحياة إلى النادي ليست مجرد عودة للرياضة، بل هي رسالة أمل وصمود من حلب إلى كل سوريا والعالم، مفادها أن هذه المدينة قادرة على النهوض من جديد مهما اشتدت الصعاب،
غير أن الطريق ليس مفروشاً بالورود، فالصعوبات كثيرة، كما يوضح عضو مجلس النادي عمر حياني، الذي أشار لافتقار النادي لحواجز القفز الأساسية، ما يضطرهم للتدريب باستخدام البراميل والدواليب القديمة قائلاً: “: هذا الأمر لا يساعد على تطوير المهارات في القفز، كما أن عدد الخيول المخصصة لهذه الرياضة قليل جداً، لا يتجاوز اثنين أو ثلاثة، وهي غير مهيأة بالشكل الكافي، نحن نتدرب قدر المستطاع، لكننا بحاجة إلى دعم حقيقي لنتمكن من المنافسة.

نقص ودمار

لا يقتصر النقص على الأدوات الرياضية فقط، بل يشمل أيضاً الخدمات الأساسية، فالنادي، الواقع خارج مركز المدينة، يعاني ضعفاً في المرافق الخدمية، والبنى التحتية المحيطة، ما يجعل الوصول إليه، والتمرين فيه، أكثر صعوبة، ورغم ذلك، يصر الفرسان على المضي قدماً، مستمدين قوتهم من عشقهم لهذه الرياضة وارتباطهم التاريخي بالخيل.
من جانبه، يوضح رئيس اللجنة أن حجم الدمار الذي لحق به كان كبيراً جداً، لكن الإرادة كانت أكبر، ويضيف: بعد التحرير، عدنا مباشرة إلى ممارسة نشاطاتنا، ولو بوسائل بسيطة، واليوم نسعى بشكل تدريجي لتطوير النادي من جديد، بدعم المنتسبين ورواد الفروسية الذين ما زالوا يلتفون حولنا، ويشير إلى أن عدد المنتسبين الجدد بدأ بالارتفاع، وهناك خيول جديدة دخلت إلى النادي، ما يعكس رغبة صادقة في النهوض واستعادة المكانة.

إصرار على العودة

ولا تخفى رمزية هذا الإصرار على أحد، فالفروسية في الوعي العربي والسوري ليست مجرد رياضة بدنية، بل تعبير عن قيم أصيلة، كالشهامة، والكرامة، والوفاء، وفي مدينة عانت الكثير مثل حلب، تتحول الفروسية إلى فعل مقاومة ثقافية وحضارية، ورسالة بأن الحرب لم تكسر الروح ولا قتلت الجمال، إن عودة سنابك الخيول لتدوي في ميادين النادي ليست حدثاً رياضياً فحسب، بل هي إعلان بأن الحياة تنتصر على الموت، وأن الحلم أقوى من الركام.
ويؤكد عدد من المتدربين أن الإقبال المتزايد من الشباب والأطفال على تعلم الفروسية يعكس تعطش الجيل الجديد للعودة إلى الجذور، وللاحتكاك بهذا الموروث العريق، فبرامج التدريب تبدأ عادة بالترويض (التروت والكانتر)، قبل الانتقال إلى قفز الحواجز، حيث يكتشف المتدربون تدريجياً روح التحدي والانضباط، فالفروسية لا تعلم الفارس السيطرة على الخيل فقط، بل تربيه على الصبر، والتحكم بالنفس، وبناء علاقة احترام متبادل مع هذا الكائن النبيل.
اللافت أن هذه الجهود، الفردية والجماعية، تأتي في وقت تشهد فيه الفروسية السورية عموماً رغبة متجددة بالانطلاق، فالاتحاد يسعى لتنظيم مسابقات دورية، وتوسيع قاعدة المشاركين، وإعادة الاعتبار لهذه الرياضة التي طالما تميزت بها سوريا، وفي هذا السياق، يشكل نادي الشهباء في حلب نموذجاً ملهماً لما يمكن أن تحققه العزيمة والإصرار، حتى في أحلك الظروف.

الأمل كبير

ومع كل يوم يمر، يزداد المشهد حيوية داخل أرجاء النادي، خيول جديدة تُدرّب، فرسان صغار يتعلّمون أولى خطواتهم، ومدربون يخططون لمستقبل أكثر إشراقاً، صحيح أن التحديات لا تزال كبيرة، لكن الأمل حاضر بقوة، فكما أن الفارس لا يتوقف عند أول سقوط، كذلك لم تتوقف حلب عند محنتها، بل نهضت من جديد، وباتت الفروسية أحد رموز هذه النهضة.

في النهاية، يمكن القول إن عودة الحياة إلى نادي الشهباء للفروسية ليست حدثاً محلياً ضيق الأفق، بل هي انعكاس لمسار أوسع تسلكه مدينة حلب بأسرها نحو التعافي وإعادة البناء، إنها قصة إرادة لا تعرف اليأس، ورسالة موجهة لكل من يعتقد أن الدمار يمكن أن ينتصر على الحياة، فكما يعود صوت سنابك الخيول ليملأ الميدان، كذلك تعود الروح إلى مدينة لا تزال وفية لتراثها وأصالتها، حاملة راية الفروسية، كرمز للكرامة والعزة والشموخ.

آخر الأخبار
مستشفى دمر التخصصي بالأمراض الجلدية يفتح أبوابه لخدمة المرضى الاستثمار في سوريا قراءة في تجارب معرض دمشق الدولي الليرة تتراجع والذهب يتقدم "تجارة حلب".. إعادة تنشيط الحركة الاقتصادية مع وفد تركي "إدمان الموبايل".. خطر صامت يهدد أطفالنا د. هلا البقاعي: انعكاسات خطيرة على العقول السباق النووي يعود إلى الواجهة.. وتحذيرات من دخول 25 قوة نووية جديدة ترامب: اتفاق وشيك لوقف إطلاق النار في غزة.. و"حماس" مستعدة للتفاوض الحرب الروسية - الأوكرانية.. بين "التحييد الاستراتيجي" والتركيز على "العمليات الهجومية" أسماء أطفال غزة تتردد في شوارع مدريد العراق يعيد تأهيل طريق استراتيجي لتنشيط التجارة مع سوريا التحولات السياسية وانعكاسها على رغبة الشباب السوري المغترب بالعودة "الرحمة بلا حدود" وتعاون مشترك لبيئة تعليمية آمنة السعودية تطلق مشروع إعادة إعمار منطقة دمشق ‏مجموعة ألفا.. منصة للابتكار والتواصل الدولي مساعدات قطرية بقيمة 45 مليون ريال للقطاع الصحي بين الاجتماعات وإطلاق الحملات.. هل تنجح الخطط في الحد من التسول!؟ بعد سقوط النظام المخلوع.. تراجع طلبات لجوء السوريين في الاتحاد الأوروبي تجفيف العنب والتين وصناعة قمر الدين تراث غذائي المبادرات الاقتصادية السعودية في سوريا.. التنمية كمدخل للاستقرار السياسي هل يكسر "أسطول الصمود" حصار الغزاويين..؟