أديب مخزوم
أنجزت الفنانة النحاتة علا هلال (بعد تخرجها من محترفات كلية الفنون الجميلة ـ قسم النحت 2006، وحيازتها على دبلوم تأهيل تربوي من كلية التربية 2009) العديد من الأعمال النحتية النصبية، التي وصل ارتفاع بعضها حدود المترين ونصف المتر، وجمعت فيها من الناحية التشكيلية بين الواقعية والتعبيرية والتجريدية، واختبرت من خلالها مختلف التقنيات، وذلك من خلال مشاركاتها في العديد من الملتقيات النحتية التي دعيت إليها (ومن ضمنها: ملتقى الخريجين الشباب على الصلصال 2007، وملتقى التشكيل على الاسمنت 2015، وملتقى طرطوس أم الشهداء على الخشب 2016، وملتقى تدمر بوابة الشمس على الخشب 2017، وملتقى السلام والمحبة في اللاذقية على الخشب 2017، وملتقى مهرجان دابة مشتى الحلو على حجر رملي 2017، وملتقى الحواش الأول على الخشب 2018، ملتقى تجمع فنانات أوغاريت الأول على الخشب 2019، وملتقى الحواش الثاني للنحت من فعاليات مهرجان القلعة والوادي 2019، وملتقى طرطوس الثالث في النقيب على الحجر 2020، وملتقى عين الشرفة وادي قنديل 2018، وملتقى تجمع فنانات أوغاريت، وهي حائزة جائزة معرض الشباب / خان أسعد باشا. كما شاركت في ملتقيات ومعارض أخرى (من ضمنها جمعيات خاصة برعاية الأطفال)، وأعمالها دخلت ضمن مقتنيات جهات خاصة ومؤسسات عامة، إلى جانب عملها في التدريس الفني التشكيلي لمادتي النحت والخزف في معهد الفنون التشكيلية والتطبيقية.
وفي سياق نحت المواضيع الإنسانية، وتسجيل لحظات الأنوثة، بحالاتها المختلفة والمتنوعة تركز لإظهار حالات التداخل بين الجسد والتشكيلات الفراغية الهندسية الأقرب إلى المجسمات، والتي تأخد أحياناً شكل المكعبات والتي تحددها سطوح ناعمة وخشنة ومستوية أفقية وعمودية متقاطعة بزوايا.
وعلا هلال تسهم في تقدم صورة مشرقة عن المرأة السورية، بدخولها في مجال إنتاج النصب النحتية الكبيرة، والتعامل مع الكتل الصلبة، التي تتطلب جهداً، يتعارض مع رومانسية عالم المرأة، وبالتالي فقد أنخرطت في النحت الفراغي النصبي مستخدمة الأزميل والمطرقة وآلات القص الكهربائية، حتى لايبقى هذا المجال حكراً على الرجال، وبذلك ساهمت وتساهم في الحد من نظرة المجتمع السلبية لعمل المرأة في مجال النحت النصبي، وتسهم في إظهار المزيد من التفاعل الثقافي بين الإبداع الإنثوي والنحت الفراغي بتقنياته كافة.
ودخول علا هلال في هذا العمل الشاق، ساهم في إيجاد عمل فني يحقق لها ذاتها وسعادتها وانعتاقها وتمردها، ولقد أنجزت العديد من الأعمال النصبية التي تحاور العيون في الأماكن العامة، إلى جانب مشاركاتها في معارض جماعية.
ولقد قدمت في مجموعة أعمالها، وفي مراحلها المختلفة تجارب متنوعة في مواضيعها وتقنياتها وعفويتها وتلقائيتها وحداثتها، وأظهرت فيها حالات تنقلها بين الواقعية والتعبيرية والرمزية، وركزت لإظهار قيمتها التشكيلية والفنية.
ومن أجل ذلك استعانت بتراث الأختزال والتبسيط والتحوير، السائد في الفنون القديمة والحديثة معاً. ولا شك بـأن الوصول إلى درجة من الإحساس بجمالية أعمالها، يحتاج إلى إطلاع وثقافة ومتابعة متواصلة ومتجددة.
وفي بحثها واختباراتها وتأملاتها التشكيلية، تعطي القطعة أشكالاً مغايرة، ووحدات مختلفة، عن الوحدات التقليدية لصناعة الأشكال المطروحة في السوق الاستهلاكي التجاري، وتعمل على تحريك عملها مع الزمن الراهن والثقافة المعاصرة.
ومشاركاتها في ملتقيات النحت تسهم في خلق حوار إيجابي مع الجمهور، الذي لم يعتد بعد على الأعمال النصبية، حتى إن بعض الناس لاتزال تربط النحت بالمرحلة الوثنية، وتعتبره من المحرمات. وهنا تكمن أهمية ملتقيات النحت كونها تساهم في كسر طوق العزلة الخانق الذي يحيط بهذا الفن العريق، بعد أن كان له الحضور الأبرز والأقوى على مر العصور القديمة والبدائية. ولاشك في أن الانقطاع الطويل الذي أصاب فن النحت في بلادنا هو الذي أخّر تطوره وأعاق تقدمه.
وملتقيات النحت، تصب في مصلحة التطور العمراني، على أساس أن النحت في علاقته الوطيدة مع العمارة، قد ساهم في المدن العالمية الكبرى في المشروعات المعمارية لتخطيط المدن وتجميل الساحات العامة وإبراز الأبعاد الوطنية والإنسانية والجمالية.
وهي حين تجعل أشكال منحوتاتها تتجه نحو التحوير والتلخيص، فانها في ذلك تعطيها، بعداً إنسانياً واجتماعياً. هكذا تشكل حالات الاختصار والاختزال والتجريد، خطوات أو هواجس الانتقال من الصياغة الواقعية، التي نجد ملامحها في بعض أعمالها، إلى إيقاعات النحت التعبيري الحديث، المفتوح على تأويلات واجتهادات، فرضتها وبقوة تحولات وتداخلات وتشابكات ثقافة فنون القرن الماضي والحالي.