في إطار قراءة مواقف الدول من قضايا تتعلق بصراعات تقع في أكثر من مكان من عالمنا المعاصر سواء أكانت قضية احتلال أو خلاف على أرض أو مواجهة وصراع داخلي يكتشف المتابع لتلك الصراعات ومواقف الدول منها أن ثمة نهجين في التعاطي مع تلك القضايا تتخذها حكومات أو دول بعينها وإذا أسقطنا تلك الفرضية على القضية الفلسطينية والصراع القائم بين المحتل الصهيوني الغاصب للأرض وموقف الدول العربية وغيرها من ذلك الصراع نكتشف أن ثمة أنظمة سياسية تتخذ ما يمكن تسميته الاستثمار الأداتي للقضية الفلسطينية والمقصود بذلك هو اتخاذها ورقة استثمار وليس موقفاً مبدئياً غير قابل للمساومة فتراها تستثمرها وتصرفها في إطار كسب ود الولايات المتحدة الأميركية أو حمايتها السياسية وترى فيها البوابة التي توصلها إلى تلك الغاية من خلال التعاطي مع الكيان الصهيوني أو الانخراط فيما يمكن تسميته قطار التطبيع، ولعل أول من مارس هذا النهج هو نظام السادات الذي وجد في البوابة الإسرائيلية الطريق الموصل إلى البيت الأبيض، وسار على ذلك النهج الاستسلامي بعض الأنظمة العربية، وعلى الضفة الأخرى ترى أنظمة سياسية اعتبرت القضية الفلسطينية قضيتها الأساسية بل وعقيدتها السياسية التي لا مساومة عليها فهي بالنسبة لها أحد أعمدة شرعيتها بل وتفسر سبب وجودها في السلطة فهي بهذا المعنى تحول السياسة أو الموقف السياسي من القضية الفلسطينية إلى موقف عقائدي أي تحول السياسة إلى عقيدة لا العكس أي إنها ليست ورقة للمساومة وإنما للمقاومة وتحرير فلسطين.
إذن من المهم جداً في إطار قراءة خارطة الصراع تلك التمييز بين تلك المواقف ليتم فرز المواقف المبدئية من القضية الفلسطينية من غيرها من مواقف انتهازية أداتية قابلة للصرف في سوق النخاسة السياسية وبازارها أي التعاطي مع القضية على أنها ورقة مساومة وليست قضية مبدئية نابعة من قناعة راسخة ثابتة لا تقبل القسمة إلا على نفسها ولكي تتوضح لنا الصورة أكثر يمكننا استحضار المزيد من الأمثلة على ذلك منها الموقف السوري من وجود قوى المقاومة الفلسطينية على الأرض السورية بقياداتها وعناصرها بعيد الغزو الأميركي للعراق في نيسان عام 2003 حيث خيمت حالة من الخوف عند بعض الأنظمة العربية وغيرها من يد أميركا القادرة على كل شيء والاستجابة الفورية لكل مطالبها ودفتر شروطها إذ جاء كولن باول وزير الخارجية الأمريكية انذاك الى سورية حامل في مخيلته صورة اوراق الانتصار الذي حققته قوات الغزو وتحالفها على العراق معتقداً أنها ستصرف في دمشق دون تردد وحظي عندها بلقاء الرئيس بشار الأسد وكانت أولى مطالبه أن تغادر قوى المقاومة دمشق وإلا ؟
فكان رد دمشق عليه أن دمشق مستعدة لذلك ولكن شريطة أن تكون الوجهة هي فلسطين أرضهم ووطنهم التاريخي فشكلت تلك الإجابة صدمة عميقة لوزير خارجية العم سام الذي تعود سماع لغة الطاعة وأمرك سيدي في عواصم لا تشبه دمشق سياسياً وتاريخياً.
إن التمسك بالقضية الفلسطينية وتحرير ما احتل واغتصب من أرض عربية يجب ألا يكون عرضة للمساومة لأنها عملية تفريط مستمر بحقوق الأمة وشعوبها لن يغفرها التاريخ لمن يقدم أو يحاول الإقدام عليها وهي إن حصلت لن يكون لها نصيب من الاستمرار أو الثبات فلابد أن يأتي اليوم الذي تستعاد فيه تلك الحقوق لأصحابها بوصفها حقوقاًغير قابلة للتصرف، وهنا يجب أن يعلم العدو الصهيوني الغاصب أن كل ما انتزعه عبر اتفاقيات مذلة خلال العقود الماضية في لحظات هاربة في التاريخ لن يكون له نصيب من الاستمرار أو الاستقرار لأن ما بني على باطل فهو باطل.